محمد أحمد
تونس – وسط تجاهل إعلامي رسمي، كشفت مصادر حقوقية تونسية اليوم الثلاثاء عن تلقي مدرسة تونسية مؤخرا حكما قضائيا – هو الأول من نوعه في تاريخ تونس – ويقضي بعدم دستورية منشور رسمي يحظر ارتداء الحجاب على الموظفات والطالبات.
وأعلمت المحكمة الإدارية، المعنية بالنظر في مثل هذه القضايا، الحكومة بـ "إبطال" قرارها القاضي بإيقاف "سعيدة عدالة" مُدرّسة التعليم الثانوي عن العمل لمدة 3 أشهر مع وقف مرتبها لارتدائها الحجاب وتغطيتها رأسها وذلك بناء على المنشور 102 .
واستند القضاء في حُكمه على أنّ المنشور 102 "مُخالف للدستور"، الأمر الذي أدّى إلى الحُكم بـ "عدم شرعيّة" قرار الوزير .
وبحسب مصادر حقوقية فقد اعتبرت المحكمة أن المنشور 102 لسنة 1986 "يقوم مقام التدخّل في مجال الحريات الفردية نظرا لما يتميز به اللباس من تعبير عن الانتماء الحضاري والديني والفكري وما يعكسه من ميولات شخصية".
كما اعتبرت المحكمة في حيثيات الحكم أن "المنشور 102 يفتح للإدارة سلطة تقديرية غير محدودة في تطبيقه؛ مما ينتج عنه تهديد للحريات الأساسية ومنها حرية المعتقد المضمونة دستوريا واستعماله مطية للتضييق في الحقوق والحريات الفردية، وبذلك يكون المنشور 102 مخالفا للدستور الذي يعطي الحق للمواطن في التمتع بحقوقه كاملة بالطرق والشروط المبينة بالقانون" .
وكان وزير التربية أصدر قرارا العام الماضي بإيقاف المدرّسة سعيدة عدالة عن عملها لمدة ثلاثة أشهر مع حرمانها من الراتب بسبب ارتدائها الحجاب ورفضها بإصرار نزعه داخل المدرسة.
ورفعت المُدرسة دعوى قضائيّة ضد قرار الوزير لدى المحكمة الإداريّة التي حكمت لصالحها.
وعلّل الوزير في تقرير قدّمه للمحكمة قراره بإيقاف المُدرّسة عن العمل، بأنّها عمدت إلى ارتداء لباس "يُوحي بالتطرّف"، استنادا إلى المنشور 102 .
إلاّ أنّ المحكمة اعتبرت أن تطبيق المنشور "قد ينتج عنه تهديد للحريات الأساسيّة واستعماله مطيّة للتضييق في الحقوق الفرديّة".
سابقة في تونس
وهذه هي المرّة الأولى التي يُبطِل فيها القضاء التونسي العمل بالمنشور 102 الذي استندت إليه السلطات عدة السنوات لمنع المحجبات في الفضاءات التعليمية وفي الإدارات الرسمية.
ويمنع الحجاب في تونس بناء على المنشوريْن 108 الصادر في 1981 و102 الصادر في 1986 اللّذين يعتبران الحجاب "لباسا طائفيّا" و "يوحي بالتطرّف".
وفي تعليقه على الحكم صرح لإسلام أون لاين.نت المحامي المختص في الدفاع عن ضحايا قانون مكافحة الإرهاب عبد الرءوف العيادي أن هذا الحكم "يسجل لا محالة في الصفحات المشرقة – وعددها قليل - من تاريخ فقه القضاء التونسي".
واعتبر العيادي أن الحكم "يقود إلى استنتاجات قانونية وسياسية عديدة بعد أن قال القضاء كلمته في شأن ظاهرة اجتماعية وثقافية شكلت مصدر قلق ومعاناة وابتلاء للمرأة التونسية التي لا يكل النظام عن الترويج في خطابه الدعائي لما تنعم به من مكتسبات".
ويأتي هذا الحكم في وقت تصاعدت فيه الحملة ضد المحجبات في مختلف المؤسسات التربوية. ويأمل المراقبون أن يضع قرار المحكمة الإدارية حدا لهذه الحملة، إلا أن غالبيتهم يستبعدون أن تمتثل السلطات لحكم القضاء وتعمد إلى رفع القيود عن المحجبات أو وقف تعرض الأمن للمحجبات والذي بلغ حد "حرمانهن من العلاج بالمستشفيات العمومية"، بحسب بيان لمنظمة "حرية وإنصاف" الحقوقية تلقت إسلام أون لاين.نت نسخة منه اليوم الثلاثاء.
وعلى خلفية حكم القضاء الإداري، طالبت منظمة «حرية وإنصاف" السلطة بالكف فورا عن جميع المضايقات والانتهاكات التي تستهدف مرتديات الحجاب بعد ثبوت خرقها لمبدأ الشرعية.
كما طالبت المنظمة الحقوقية السلطات بـ "تقديم اعتذار رسمي عما صدر عن أعوانها من البوليس من اعتداءات على حرمة الآلاف من النساء والفتيات في إطار حملتها المستمرة منذ أكثر من عقدين من الزمن ضد المحجبات" .
المفضلات