كتبت - سهير بشناق - لم يشفع لها عمرها الذي تجاوز السبعين عاما وملامح وجهها المتعبة من سنوات العمر وقسوته وهي تحمل بيدها اكياسا من مواد غذائية مختلفة ورغيف خبز وزجاجة ماء تروي بها عطشها وهي جالسة طوال اليوم امام احد المحلات التجارية في منطقة الشميساني علها تحظى بفرصة بيع اكياسها لتعود الى بيتها بعد رحلة شقاء لا تنتهي الا بانتهاء فقرها او بانتهاء حياتها؟.
مشهد يتكرر كثيرا في الاونة الاخيرة فلم يعد التسول مقتصرا على الشباب فحسب بل انه بدا يطول كبار السن الذين لا تزال عفة النفس بداخلهم تردعهم عن التسول كمد اليد مباشرة فيلجاؤن لبيع المواد الغذائية البسيطة كوسيلة يعاتشون منها بعد ان ضاقت بهم الحياة ولم يحظوا بفرصة العيش الكريم فيما تبقى من ايامهم.
لم تتكلم "ام محمد" وهي واحدة من كبيرات السن اللواتي يجلسن في الشوارع بقصد البيع – عن اسباب خروجها من منزلها وهي في مثل هذا العمر " 68" عاما سوى انها قالت بحزن كبير "حياتي عذاب حقيقي ابني توفي وترك وراءه خمسة اطفال وزوجته تزوجت وتركتهم لي وانا بحاجة لمن يراعاني لكن هؤلاء الاطفال من سيوفر لهم ما يحتاجونه واقله الطعام".
ابنها الاخر ترك البلد الى بلد اجنبي منذ سنوات طويلة ولا تعلم عنه شيئا وابنتها البالغة من العمر اربعين عاما توفي زوجها منذ عامين تجلس مع الاطفال ترعاهم والجدة هي التي تخرج للشارع لتبيع وتوفر قوت اطفال ولدها.
سيدة اخرى من جنسية عربية لبلد مجاور تبلغ من العمر"65" عاما لا يوجد من يعيلها بعد ان تركت بلدها وابنائها تبيع لعبا بسيطة للأطفال وبعض المواد الغذائية امام احد المخابز قالت "ان لم اخرج للشارع للبيع من سيطرق بابي ويساعدني فلا يوجد لي هنا معيل ... واشعر اني ساموت يوما على هذا الرصيف ودائما اتساءل بيني وبين نفسي هل ساجد من ينزلني لقبري"؟.
وامام احدى الاشارات الضوئية في منطقة الشيمساني تقف سيدة تبلغ من العمر 70 عاما على هذه الاشارات تارة وتارة اخرى تجلس على حافة الرصيف فهي بحكم عمرها لا تقوى على الوقوف لفترات طويلة فما ان تغلق الاشارة الضوئية حتى تبادر الى طرق ابواب السيارات طالبة المساعدة وتعود من جديد للجلوس لتبقى هكذا طيلة ساعات الصباح والظهيرة وتعود الى منزلها قبيل الغروب بقليل.
عبرت عن وضعها قائلة "الله يعلم بالحال ... من اين سنعيش ... لا تسالني عن ابنائي فانا لم ارهم منذ سنوات ولا يسالون عن وعضنا انا وابنة زوجي البالغة من العمر " 14" عاما انجبها من زوجته الثانية وتوفى قبل عامين ووالدتها توفيت ايضا العام الماضي فهي تذهب للمدرسة ولا يوجد من يقدم لنا المساعدة سوى اولاد الحلال الذين يتفقدوننا بين فترة واخرى".
واضافت"لكن الحياة صعبة جدا ان لم اخرج للشارع كيف سنعيش" ؟.
جمعيهن خرجن بسبب لقمة العيش وسؤالهن الذي يشهرنه بوجه كل من يحاول معرفة اسباب خروجهن للشارع وهن في هذا العمر : كيف سنعيش؟.
ومن يستطيع توفير طعام اطفاله ويغلق باب بيته عليه وعلى اسرته دون ان يضطر للتجوال بالشوارع طالبا المساعدة قد تستوقفه صور هؤلاء النساء الكبيرات بالعمر وهن يجلن الشوارع فيشعر بالحزن على حالهن لكن في نهاية الامر لم يلسع بنار الفقر الشديد الذي يمنع اطفالا من رغيف الخبز ويجبر سيدة تجاوزت الستين من عمرها للبيع او التسول في الشوارع بدلا من ان تقضي اواخر ايامها بعيدا تنتقل من سيارة لاخرى طلبا للمساعدة او ان يصبح الرصيف رفيقها تحدق بالمارة تخجل من ان تمد يدها لكنها تدعو الله ان يبث الشفقة والرحمة بقلوب الاخرين فيغدقون عليها ما تجول بها نفوسهم.
وزارة التنمية الاجتماعية وشؤون المراة اكدت على لسان مصدر مسؤول في برنامج مكافحة التسول على تنامي هذه الظاهرة مؤخرا بين نساء متقدمات في العمر يلجأن للتسول او بيع المواد الغذائية.
واضاف المصدر ان الوزارة معنية بالدرجة الاولى بالمتسولين الذين يتسولون مباشرة اما فئة الاخرى الذين يقومون بالبيع فهي ليست من اختصاص التنمية الاجتماعية.
واشار المصدر ان المتسولين من كبار السن الذين يتم ضبطهم من قبل موظفي الوزارة المعنين بهذه القضية يتم اجراء دراسة اجتماعية لاوضاعهم الاجتماعية بهدف مساعدتهم والايعاز لصندوق المعونة الوطنية بتخصيص معونات دائمة لهم في حال تبين انهم يحتاجونها وان خروجهم للتسول بقصد الحاجة الحقيقية.
واشار الى ان المتسولين من كبار السن الذين لا ماوى لهم يتم تحويلهم الى احدى دور الرعاية المعنية برعاية المسنين لتتولى هي بدورها توفير ما يحتاجونه.
وامام الحاجة وقسوة الحياة لم يعد للعمر قيمة ولم تعد سنوات العمر تشفع لكل امراة تقدم بها العمر وتجبرها ظروف الحياة للخروج للشارع بان تبقى مكرمة في منزلها يتولى ابناؤها امور حياتها ويكونون مصدر حماية لها من قسوة الايام.
فرؤية سيدة بهذا العمر تمد يدها وتجلس على ارصفة الشوارع تنتظر صدقة من الاخرين مشهد يبث الحزن في النفس حزن لا يضاهي حزنهن وهن وصلن لهذا المصير.
المفضلات