بقلم أحمد الصاوى ٢٨/ ١٢/ ٢٠١٠
جزء من الأزمة السياسية التى نعيشها، ليس فقط وجود حزب حاكم استبدادى واحتكارى وينزع نحو الشمولية واحتكار الحقيقة، وتأميم القرار، ولكن أيضاً فى غياب معارضة حقيقية قادرة على التعامل مع هذا التحدى بندية وكفاءة واستقلال فى ذات الوقت.
تلك ليست مجرد نتيجة من نتائج الانتخابات الأخيرة، لكنها واقع يفرض نفسه منذ سنوات طويلة جداً ونعرفه تماماً، لكننا فى كل مناسبة نعتبر سلوك الحزب الوطنى هو التحدى الأكبر، وهذا حق تماماً، لكننا لا نلتفت إلى تحد آخر، هو بناء معارضة حقيقية مرفوعة القامة، وقادرة على التعامل مع الحزب الحاكم بندية، وأداء دورها الحقيقى، فى تصدير الأمل، وصياغة البدائل، والترويج لها والتحرك من خلالها.
لكنك طوال سنوات تسمع خطاباً شديد الإحباط من جانب المعارضة، ومن ذات الوجوه داخلها، يعدد التحديات القانونية والسياسية والإجرائية التى تعوقها وتبرر كل مرة فشلها، دون أن تحاول ابتكار آليات جديدة للحركة، أو تحاول الوقوف مع النفس وممارسة نقد الذات بأمانة وكفاءة، أو إقدام تلك الوجوه التى تسيطر على قرار المعارضة طوال سنوات مضت على التنحى، وترك الفرصة لأجيال جديدة لها الحق فى المحاولة ربما تأتى بجديد.
ظلت المعارضة لسنوات تدعى عجزها عن النزول للشارع بسبب القوانين التى تحرم الحركة والتجمع والتظاهر، وتمنعها من عقد المؤتمرات والخروج من المقار، فى وقت تحركت فيه حركات احتجاجية يقودها جيل جديد من المعارضين، غمر الشارع بمظاهر الحركة والاحتجاج ورفض التقوقع فى المقار، دون أن يكترث بكل المبررات التى كانت تسوقها الأحزاب، ودون أن يدفع ثمناً فادحاً كذلك الذى روّجت الأحزاب لإمكانية دفعه فى حالة مغامرتها بالنزول إلى الشارع.
وعندما أصبح الشارع جزءاً من الحالة السياسية العامة، خاصة بعد الزخم الذى أحدثته عودة البرادعى، لم تتجاوب الأحزاب مع كل ذلك، بل على العكس تحركت لإجهاض تلك التحركات، وتحفظت عليها، بالشكل الذى ظهر وكأنها تحاول إرضاء السلطة أو حصلت على ضوء منها لتفعل ذلك، خاصة حين تربط بين ذلك، والخطاب الرسمى الذى راج حكومياً فى تلك الفترة يتحدث عن أهمية الأحزاب الشرعية، ويحاول تعزيز مكانتها إعلامياً وغسل سمعتها، لمواجهة التيارات المستقلة التى كسرت الحواجز ونزلت الشارع، وعندما جاءت الانتخابات البرلمانية ظهر تماماً أن الحزب الوطنى كان يروج حديثاً استهلاكياً عن قيمة الأحزاب، فيما أثبتت الممارسات احتقاره لها، وبقيت الأحزاب كذلك عند نفس النقطة، تخدم السلطة حتى تحقق الأخيرة مرادها، ثم تنهال عليها لعناً حين لا تحصل على الثمن.
تلك إذن أحزاب كل طرف فيها لديه قناعاته وأجندته الخاصة جداً، وكذلك تفاهماته الخاصة جداً أيضاً مع السلطة، وحساباته الضيقة التى لا تسمح بصياغة مشروع مشترك ذى بعد وطنى عام يتمثل فى صياغة بديل حقيقى وقوى يزاحم الحزب الحاكم فى عقول الناس قبل الصناديق، فيتحرك إليهم، ويبنى معهم ارتباطاً أساسياً، ولك فيما جرى فى الجمعية الوطنية للتغيير مثال كبير بعد تزايد الهوة بين أعضائها انتصاراً للأجندات الخاصة.
لديك إذن معارضة هى جزء أصيل من الأزمة، وإعادة بنائها بعيداً عن أمراضها المعتادة، هو جزء رئيسى كذلك من الحل، أو هكذا أظن..!
المفضلات