جنون العنف اللبناني الذي مورس منذ اندلاع الأحداث اللبنانية، عالجته مسرحية بعنوان "تقاسيم عراكية"، وهي نتاج تعاون أساتذة وطلاب قسم فنون الإعلام بالجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، اقتباسا من كتاب نصري الصايغ "القاتل إن حكى".
وعرضت المسرحية على مسرح الجامعة ومثلها طلاب، وقدمت مشهدية فعالة عن ممارسة العنف في الشارع خلال فترات الأحداث. وجسد العرض أعمال القتل والخطف في بيئة جحيمية يطغى عليها السواد الشيطاني مع أجنحة ريش سوداء، لكن بضع ريشات بيضاء توحي ببقية أمل.
يسمع المتفرج أصوات صراخ التعارك المتطور تدريجيا، ممتزجا بحركة عنفية وتضارب وعراك وبقرع الطبول. واحمرار الأجساد يسقط رهبة ممارسة التعذيب على المشهد، وأجساد غريبة الأشكال والحركات والتزيين لا تتردد في ممارسة القتل والعنف بأشكال مختلفة.
تبدو مشهدية العنف صارخة، لكن الكاتب الصايغ لم يجد فيه التعبير الكافي عن المدى الذي بلغه جنون العنف الذي مورس في محطات الأحداث بحسب تصريحه للجزيرة نت، لافتا إلى أن "العنف مرشح للتكرار".
وترى أستاذة قسم الفنون منى كنيعو التي شاركت في العمل أن المسرحية تحفر في نفوس اللبنانيين وتحلل كيف ينجرون إلى العنف، وقالت للجزيرة نت "أردنا القول إن العنف لا يوصلنا إلى أي حل، ولكن ليس بالكلمات بل بالمشهدية المسرحية".
اللافتة الإعلانية للمسرحية
مجرمو حرب
وأضافت منى أن "نقطة انطلاقنا كانت العنف والمعارك.. أدركنا أن العراك يمكن أن يصبح إدمانا.. الطاقة الموظفة كانت استثنائية، لكن العمل أصبح خطرا، وأصبحت الحدود الفاصلة بين المسرح وحياتنا الحقيقية متشابكة".
وتابعت "وجدنا أنفسنا كأننا نعكس الوضع في لبنان وفي العالم اليوم، مما ذكّرنا بأن الجميع -لأسباب مختلفة- مستعدون للعراك في أي وقت، كما أن البركان جاهز دائما لأن يثور".
ورأت منى أن "الصورة المنحرفة لحقيقتنا غير المرغوبة هي أن جميع من شاركوا في حروب لبنان هم مجرمو حرب وسيبقون، مهما كانت انتماءاتهم الحزبية أو الدينية، وأيا كانت القضية التي يظنون أنهم عنها يدافعون".
أما كاتب النص الأصلي فرأى أن العنف المشهدي رغم نجاحه الباهر لم يكن تعبيرا كافيا عما في الواقع، وقال إن "كتابي سيرة المجازر والعنف الذي ارتكبه اللبنانيون ولم يفصحوا عنه، فجاء الكتاب ليشكل نوعا من سرديات الذين ارتكبوا المجازر".
وأضاف الصايغ "أنا والمسرحية ما زلنا مقصرين في فضح العنف الموجود بلبنان مترافقا مع فقدان الحنان في العلاقات الإنسانية الطبيعية التي تقوم على تبادل الحب والود والاحترام، وهي طبيعة فينا يمكن أن تنفجر فجأة لتصبح فيما بعد عنفا هائلا يوازي الحنان، وهذا ما قدمه العمل المسرحي".
تشكيل فني في المسرحية يوحي
بفكرة متاريس الحرب (الجزيرة نت)
الجانب الفني
في المقابل اعتبرت الناقدة الفنية أروى عيتاني أن المسرحية طغت عليها مناخات سوداوية تفتقر إلى الأمل وتحكي عن حرب لا تزال قائمة، مضيفة أن العرض يريد القول إن الحرب لم تنته، و"هذا الطرح في هذا الوقت بالذات وفي هذا البلد، كان مهما جدا لأن المسرحية تحذرنا مما يمكن أن نكون ذاهبين إليه".
وتحدثت أروى عن الجانب الفني فقالت إن التعبيرات الفنية في المسرحية كانت مؤثرة وفاعلة، مشيرة إلى أنها لاحظت عددا من الحاضرين يبكون، حيث إن "المسرحية راحت إلى النهاية وإلى الحد الأقصى للأشياء".
وأضافت أن العمل استخدم المعدات والأدوات والموسيقى المباشرة وصولا إلى قرع الطبول كقرع طبول الحرب، مما يضع المتفرج في جو غابة، فترجم ذلك عنوان المسرحية بحركات الأجساد التي كانت "متعاركة بشكل حقيقي على المسرح".
وأشارت الناقدة إلى أن تقنيات المسرحية "تخرج المشاهد منزعجا من القسوة المجسدة في مشاهدها، وكأنها أخذت القسوة من الشارع ووضعتها على المسرح بشكل مصغر".
المصدر: الجزيرة
المفضلات