مقبرة جماعية للأب وأطفاله الأربعة
كتب : محمد شومان محمد عبدالحميد
كان حلمه ان يبني بيتا صغيرا يضمه هو وأبناءه الخمسة وزوجته ليستقل عن اسرته الكبيرة التي تضم والدته العجوز واشقاءه الاربعة وابناءهم الذين تكدس بهم المنزل الصغير.
الذي لم تزد مساحته علي100 متر داخل احدي الحارات الضيقة بقرية بهرمس بامبابة.. وبالفعل قام ببناء منزل مجاور لمنزل والده, حيث كان يدخر جزءا من اموال عمله كأجير في الاراضي الزراعية حتي يستطيع بناءه..
وبدا الحلم يتحقق ليبني غرفتين كانتا بالنسبة له ولابنائه بمثابة قصر واصبحت سعادتهم غامرة بهذا البيت المتواضع.. وعندما بدأ الابناء يكبرون وضاقت بهم الحجرتان اراد الاب ان يبني طابقا آخر فوق الطابق الارضي, ولكن منعته مصروفات ابنائه الصغار فهم مازالوا في مراحل التعليم, وكان حريصا علي ان يلتحقوا بالجامعة وان يراهم اطباء ومهندسين ليعوضوه عما فقده هو واشقاؤه فعلي الرغم من انه من اسرة فقيرة لم تستطع تعليم ابنائها ولكن حفظ جميع ابنائه القرآن الكريم في سن صغيرة وهو ما جعلهم يتقنون اللغة العربية ولكثرة عددهم بدأ بالفعل يدخر حمدي الاموال ليبني لهم الطابق الثاني ولضيق ذات اليد لم يستطع انشاء اعمدة مسلحة يقام عليها المبني وهو ما دفعه لاستبدالها باعمدة من الحجارة والطوب الاحمر ورغم تحذيرات الجيران له بأن يضع فوقها سقفا مسلحا الا انه اصر ليحمي ابناءه من برد الشتاء وعندما قلت الاموال معه قام بفعل شيء اكثر خطورة وهو ان يضع السقف المسلح فوق الاعمدة دون كمرات حديدية وهو ما جعل الاحمال تزيد علي المنزل اكثر من طاقته وفي ليلة اتسمت بالغيوم انهار المنزل علي ساكنيه وبدلا من ان يصبح مكانا جميلا يعيشون فيه او جنة, كما كان يريدها اصبحت مقبرة لجميع افراد الاسرة ليموت حمدي واطفاله الاربعة نجلاء12 سنة وايمان10 سنوات وفرحة6 سنوات واصغرهم احمد4 سنوات فقد كان حمدي الذي لم يتجاوز عمره الخامسة والثلاثين قد انجب كل هؤلاء الابناء في تلك السن الصغيرة حتي يرزقه الله بالولد وهو ما كان..فحمدي كجميع رجال القري يتمني ان يكون عنده ولد يحمل اسمه ويعينه في كبيره ولم يعلم حمدي ان الموت يتربص به وبأولاده, ونجا من هذا الحادث المشئوم الذي استيقظ عليه سكان قرية بهرمس فجرا بسقوط مدو لمنزل جارهم داخل تلك الحارة الضيقة التي لا يكاد ان يمر فيها عدد لايتجاوز اصابع اليد الواحدة نظرا لضيقها حتي ان المنازل المجاورة كادت تنهار لقدمها من شدة الانهيار ليكتشف الجيران مصرع حمدي واطفاله ويسارعوا باستخراج جثته وابنائه الواحد تلو الاخر.. وفجأة صوت أنين اسفل المنزل المنهار فقد كانت مني وهي التي لم تتجاوز عاما ونصف العام تصرخ وتبكي وهنا كانت يد الله رحيمة بها فقد كانت في حضن والدتها التي كانت تحتمي بالعمود المنهار فوقها وكانت هذه الفجوة سببا لأن تعيش الأم ورضيعتها.
وفي مشهد مأساوي تم انتشال الأم من تحت الانقاض وتبكي غير مصدقة ما حدث لها ولكن بكاء الجيران ووالدة حمدي العجوز التي جاوزت السبعين عاما كانت تصرخ وهنا فقط علمت الزوجة انها فقدت زوجها وابناءها فسقط مغشيا عليها ليس من الاصابة التي آلمت بها بل من الفجيعة التي زلزلت حياتها فتري هل تستطيع العيش بعد ان فقدت فلذات اكبادها الاربعة في لحظات محدودة وزوجها الحنين؟
القرية الحزينة
لقد اتشحت القرية بالسواد بعد ان فقدت اسرة بأكملها, المئات من ابناء القرية يقفون بجوار المنزل المنهار, حيث تسكن الجدة واشقاء صاحب المنزل المنهار في انتظار دفن جثث ضحاياهم واقتربنا من الجدة التي صدمتها الفاجعة ولم تستطع ان تتكلم سوي بكلمات يعجز القلم عن وصفها وهي تنادي علي نجلها حمدي واطفاله ونعوشهم تخرج متجهة الي حيث يوارون, حيث المقابر القريبة من المنزل وهنا يبكي الحاضرون عند سماع الجدة وهي تنادي علي احفادها ونجلها الا يتركوها وحدها متمنية ان تلقي نفس مصيرهم فهي لاتستطيع ان تحيا بدونهم ولسان حالها يقول من يسأل عني فعلي الرغم من انه كان اصغر ابنائها سنا ولكنه كان اكثرهم حبا وحنانا عليها, كما ان اطفاله الصغار كانوا لايغادرون حضنها وهنا يحاول الجيران التخفيف عنها لتمضي النعوش الي مثواها.
موت وخراب
الجدة العجوز تواجه احزانها ولسان حالها يقول فقدت ابني واحفادي ولم يتبق لي سوي الحفيدة الصغري وزوجة ابني ولكن علاجهما يتطلب اموالا طائلة لانستطيع تحملها بعد ان كسر عمودها الفقري وتحتاج الي اموال باهظة وفي النهاية قد لاتشفي كما انها اصبحت وابنتها في مهب الريح بعد ان تهدم المنزل علي ساكنيه ولايستطيعان ان يجدا جدارا يأويهما ولكن الله أرحم من الكل! وكان اللواء أحمد عبدالعال مدير مباحث أكتوبر والعقيد عبدالوهاب شعراوي مفتش المباحث والمقدم عماد فتحي رئيس مباحث مركز امبابة قد قاموا بالانتقال الي مكان الحادث فور وقوعه وتم الاشراف علي رفع الأنقاض ونقل الجثث والمصابين إلي المستشفي.
المفضلات