يوم الاحد 28/11 مرت الذكرى التاسعة والثلاثون على رحيل رئيس الوزراء الأردني الأشهر وصفي التل، وقد أقيم لذلك مؤتمر تناول فيه المتحدثون -وهم من كبار رجال الدولة ومن معاصري الرجل- خصالا سياسية ووطنية اتسم بها وصفي في حينه، ما ساعد على رفع حالة الجدلية التي اكتنفت شخصية الرجل والتي ظلم بها ومن وخلالها.
استذكار الناس لوصفي لم يأت فقط من باب التوثيق لشخصية وطنية كبيرة وهامة بحجم الرجل، لكن الذكرى كانت أكثر حضورا بسبب ما نعانيه اليوم من أزمات عميقة وخطيرة تحتاج أكثر ما تحتاج إلى رجال دولة بميزات وصفي وقدراته واستقلاليته النابعة من احترامه لذاته وفكره.
مثلا: كان وصفي سيفا على الفساد، وكل يعرف أن الوطن لا يمكن أن يكون بقرة حلوبا يشرب منها المسؤول دون سؤال وجواب وردع ومنع، لذلك يكون استحضار ذكرى وصفي اليوم ملائما لملامسة أوضاعنا المنفلتة من عقال الرقابة على كل شيء.
وصفي كان يرى أن الزراعة حل وأنها السبيل لكف اليد عن السؤال وبالتالي تحقيق استقلالية نسبية للسيادة والقرار، أما اليوم فالزراعة لا بواكي لها والقرار معلق بمزاج الخارج دون استحياء يذكر.
يذكر أن وصفي نظيف اليد وطني الوجهة، يذكر كمتعلق بفلسطين يرفض كل ما يجري اليوم رسميا تجاه ملفها، فلو بقي الرجل لما وقع وادي عربة، أو كحد أدنى لن يرضى بصيغتها المذلة التي لم ولن تصب في المصلحة الوطنية العليا.
الحنين لوصفي لم يأت اعتباطا، فحين نضبت الحالة الأردنية وتردت وتراجعت الشخصية الوطنية، وحين تم توجيه ركلة قاضية لآلية إنتاج النخب، أصبح الحنين لا لوصفي بعينه، بل أصبح الحنين إلى رجال داخل الدولة لا يمررون إلا بعد نظر في مصالح الدولة ويدفعون لذلك الأثمان.
سيبقى وصفى شخصية جدلية، ولكنه يبقى مثالا على نوع من الرجال مختلف، لكن هدف استدعائه للذاكرة والوعي لن يخرج عن واحدة من اثنتين، إما لبكائية الحال المعاصر وبيان ثقوبه المفضوحة، وإما لاغتيال فكره وتوجيهه نحو انقسامات لم يردها وصفي ولن يقبل بها.
مقال منقول للكاتب عمر عياصرة
المفضلات