بسم الله الرحمن الرحيم
من آفات الدعاء
من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه : أن يستعجل العبد ، ويستبطئ الإجابة ، فيستحسر ويدع الدعاء ، وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا ، فجعل يتعاهده ويسقيه ، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله .
وفي البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي .
وفي صحيح مسلم عنه : لا يزال يستجاب للعبد ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل ، قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال يقول : قد دعوت ، وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء .
وفي مسند أحمد من حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل ، قالوا : يا رسول الله كيف يستعجل ؟ قال : يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي .
أوقات الإجابة
وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب ، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة ، وهي :
الثلث الأخير من الليل ، وعند الأذان ، وبين الأذان والإقامة ، وأدبار الصلوات المكتوبات ، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم ، وآخر ساعة بعد العصر .
وصادف خشوعا في القلب ، وانكسارا بين يدي الرب ، وذلا له ، وتضرعا ، ورقة .
واستقبل الداعي القبلة .
وكان على طهارة .
ورفع يديه إلى الله .
وبدأ بحمد الله والثناء عليه .
ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار .
ثم دخل على الله ، وألح عليه في المسألة ، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة .
وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده .
وقدم بين يدي دعائه صدقة ، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مظنة الإجابة ، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم .
أدعية مأثورة
فمنها ما في السنن ( وفي ) صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فقال : لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب وفي لفظ : لقد سألت الله باسمه الأعظم .
وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضا من حديث أنس بن مالك أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ورجل يصلي ، ثم دعا فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى .
أخرج الحديثين أحمد في مسنده .
وفي جامع الترمذي ، من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [ سورة البقرة : 163 ] .
وفاتحة آل عمران الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ،
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
وفي مسند أحمد وصحيح الحاكم من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام - يعني : تعلقوا بها والزموا وداوموا عليها .
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء ، وإذا اجتهد في الدعاء ، قال : يا حي يا قيوم .
وفيه أيضا من حديث أنس بن مالك ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر قال : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث .
وفي صحيح الحاكم من حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن : البقرة ، وآل عمران ، وطه ، قال القاسم : فالتمستها فإذا هي آية ( الحي القيوم ) .
وفي جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : دعوة ذي النون ، إذ دعا وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [ سورة الأنبياء : 87 ] إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له . قال الترمذي : حديث صحيح .
وفي مستدرك الحاكم أيضا من حديث سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم ، فدعا به يفرج الله عنه ؟ دعاء ذي النون .
وفي صحيحه أيضا عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : هل أدلكم على اسم الله الأعظم ؟ دعاء يونس ، فقال رجل : يا رسول الله ، هل كان ليونس خاصة ؟ فقال ألا تسمع قوله : فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [ سورة الأنبياء : 88 ] فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد ، وإن برئ برئ مغفورا له .
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ، ورب الأرض ، ورب العرش الكريم .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل بي كرب أن أقول : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين .
وفي مسنده أيضا من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ؛ إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرحا ، فقيل : يا رسول الله ، ألا نتعلمها ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها .
وقال ابن مسعود : ما كرب نبي من الأنبياء ، إلا استغاث بالتسبيح .
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين ، وفي الدعاء عن الحسن ، قال : كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يكنى أبا معلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره ، يضرب به في الآفاق ، وكان ناسكا ورعا ، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح ، فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك ، قال : فما تريده من دمي ؟ شأنك بالمال ، قال : أما المال فلي ، ولست أريد إلا دمك ، قال : أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات ، قال صل ما بدا لك ، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات ، فكان من دعائه في آخر سجوده أن قال : يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش المجيد ، يا فعالا لما تريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، وبملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث أغثني ، ثلاث مرات ، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه ، فلما بصر به اللص أقبل نحوه ، فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه ، فقال : قم ، فقال : من أنت بأبي أنت وأمي ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم ، فقال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة ، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوت بدعائك الثاني ، فسمعت لأهل السماء ضجة ، ثم دعوت بدعائك الثالث ، فقيل لي : دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله ، قال الحسن : فمن توضأ وصلى أربع ركعات ، ودعا بهذا الدعاء ، استجيب له ، مكروبا كان أو غير مكروب .
المرجع :
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
( ابن القيم )
المفضلات