من أسباب تحريم التشبه بالمشركين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني.
لقد تقرر عند العلماء المحققين أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الظاهر والباطن، وأن للأول تأثيراً في الآخر، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإن كان ذلك مما قد لا يشعر به الإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره.
فمخالفة الكفار ليست أمراً تعبدياً محضاً، بل هو معقول المعنى واضح الحكمة.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله – في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" :
(وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولابد ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً، وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرع والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور:
- منها : أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم مثلاً يجد نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
- ومنها : أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينةً ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام – لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة – كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.
- ومنها : أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية، هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلاّ مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له)
المفضلات