ملحق الثقافة
نبضات خضراء من قلب الأزرق
حسن ناجي
الأزرق..
همسُ الألوان الذائبة في صفرة الرمل، يرتدّ ثانية إلى صخرة اللون العنيد، ليعلو صراخه بحثا عن لون يسانده، ويدفع عنه سطوة الأصفر المتوقّد مع تثاؤب غبار هش، يسمح للشمس أن تمارس غوايتها بالإعلان عن صيف طويل، فيشتعل الأصفر على مساحة جغرافيته معلناً هويته التاريخية بأنه الأصفر ذو القلب الأخضر.
الأزرق..
مساحة من الأرض يحجبها عن السماء غبار الغيم المبتلّ بوهج الشمس.. إنها صديقة المطر تشتاق إليه، لكنه يضنّ عليها بالزيارة، وتبقى مكشوفة الرأس في انتظار ماء القلب.
الأزرق..
موطن الريح، تحلو له الإقامة فيه ليمارس شغبه في بعثرة حبات الرمل، لكنه حين يهدأ يمنح الأزرق نسماته عربون محبة.
الأزرق..
لغة مشتركة بين الأماكن، نسجت تاريخها على صفحات بيضاء بعد أن استطاعت أن توحّد حناجر من مرّوا، بتهليلة وتكبيرة وزغرودة.. إنها شاهدة التاريخ الإنساني، فقد ترك فيها الزمنُ بصمتَهُ، والإنسانُ آثارَهُ حجرا منحوتا من تعب يحمل لغة الدهشة وقفاز التحدي.
الأزرق..
مكان رأيناه بقلوبنا وكما نحب، فاتسع لنا نحن الذين أتيناه بروح الانتماء لأرض عشقناها بالزي الجغرافي الذي اختارته، أتيناه برغبة الكشف وقراءة ما تيسّر من تاريخ نحن امتداده، لنعيش معه بكل تفاصيله علّنا نترك فيه ما يخبّره عنّا..
لقد تعاملنا مع المكان بنبض فكرنا وإبداعنا، ورغم صعوبة الاستمرار في العيش، فقد تآلفنا معه بعيدا عمّا يحيطه من رتابة اللون، إضافة إلى ميكانيكية حركة الريح وإعلان الشمس عن حضورها الدائم، وقررنا أن نكتشف سرّ ماضيه وما يختزنه من كنوز قادرة على بوح تاريخها والدخول في تفاصيله.
الأزرق..
دائما يمتلك المكان لغة الدهشة، دائما يمتلك عنصر المفاجأة، لكنه يبوح صامتا.. هذا الأزرق الممتد على خاصرة الوطن الشرقية المحاط بزنود عربية ثلاثة هي العراق وسوريا والسعودية، مما منحه حق الإقامة في هذه الدول وجعل من نفسه أرضا وسماء، مكان استضافة.. من هنا يمثل الأزرق جامعة لدول عربية بصورة مصغرة، في دفتر أيامه كتبت هذه الدول مذكراتها وأوراقا من سجل تاريخها الإنساني الذي يمثل مرحلة حضور متميز على الخريطة البشرية، وما تزالت هذه الأوراق باقية بمعالمها لنقرأها وندرك نبض هذه الحميمية التي اتسمت بها أرض الأزرق.
الأزرق..
أرض حين تودعها تقرر أن تعود إليها.
المفضلات