مرت السنون تترى ،وشيء لم يتغير ، ما زال هناك وجع يعشعش في الذاكرة ، مازالت فوضى الخسارة تعم فناء قلبي ، مازال هناك خيبات تجيء عندما يهبط المساء ، عندما ألقي بهذا الرأس الذي يضج بك ، ثمة هزائم تعيش معنا دائما أينما حللنا وارتحلنا ، تظل طليقة في الذاكرة يضحي معها النوم ضربا من الترف ليس بمقدورنا ممارسته ،عندها نحاول أن ننتعل الطريق المؤدي إلى الانتصارات المجانية لنمنح أنفسنا فسحة من الأمل الفقود ، هناك في ذلك المكان المرتفع وأدت ذكريات كثيرة وغسلتها بالقهوة وكفنتها بالصمت وابّنتها بالوجع الضارب في القعر ، هناك في ذلك المكان المرتفع سفكت دم الحقيقة ، حتى أضحيت رجلا منتصرا بلا حروب ، لدي قدمان أمتطيهما عندما يحل الضيق زائرا ، ثم أنتعل الأرصفة التي لا تنتهي ، وأتدثر بالصمت الفوضوي ، حتى يختمر الحزن في قلبي ، الكلمات صعبة يا سادتي النبلاء إنها أصعب من الولادة ، وأنت رجل أيما رجل إن استطعت أن تنتصر على حزنك بجملة ، تلك جملة صعبة هي التي تستنخلها من الخسارة .
في ذلك المساء الرمادي ذهبت إلى هناك حيث كنا نلتقي ، ركلت الحصى والذكريات ركلت كل شيء يذكرني بك ، رغبت في ركل رأسي لأنه يضج بك ، أليس من الحوب بمكان أن تزدحم ذاكرتي بك بينما أنت ترتعين بثلاثة أطفال ، كم غريب أنت أيها الفراق ، تجعلها تنساني ، لماذا لا تسقطها من ذاكرتي كما أسقطت الكثيرين ، لماذا تظل في ذاكرتي كجذوع النخل ، لقد أخلصت في نسيانك ورغبت في ذلك بشدة بيد أنني لا أنجح البتة ، تراني كلما حاولت بللني هطولك السري بالحنين وأحسست بوجع يمخر ذاكرتي ، ثم أتوق إلى الأوبة وأنت تقرعين في ذاكرتي كأجراس الكنائس .
المفضلات