أشاد باحثون وصحفيون فرنسيون وعرب بمناقب الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بالذكرى الأربعين لرحيله، معتبرين أنه كرس حياته لتحرير مصر والبلدان العربية من نير الاستعمار الأوروبي والاحتلال الإسرائيلي.
وشدد المتدخلون بندوة نظمها المركز الثقافي المصري بباريس أول أمس على أن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ضيعت ما أسماه المتحدثون بـ"الفرصة التاريخية الثمينة" حينما شاركت في إجهاض المشروع التحديثي لعبد الناصر الذي لم يكن "معاديا للغرب ولا شيوعيا ولا إسلاميا متطرفا".
وقال الكاتب والصحفي الفرنسي بول بالتا، الذي قابل عبد الناصر لأول مرة يوم 17 يوليو/ تموز 1958، إن الزعيم المصري الراحل كان معجبا بالثورة الفرنسية التي أطاحت بالملكية عام 1789 "إذ كان يصفها بالحدث التاريخي الذي أسس للعالم الجديد وقوّض العالم القديم".
وأضاف أن عبد الناصر كان يرغب في إقامة علاقات ودية ومتوازنة لا تقوم على التبعية مع فرنسا حتى بعد مشاركة باريس للندن وتل أبيب في العدوان الثلاثي على مصر الذي انطلق يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956.
ورجح بالتا أن يكون دعم عبد الناصر لحركات التحرير بالمغرب العربي وخاصة الثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، التي اندلعت بالجزائر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، السبب الرئيسي في مشاركة الفرنسيين في الاعتداء على مصر. إلا أنه لم يغفل أيضا "الغضب" الذي أثاره في باريس ولندن إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو/ تموز 1956.
وأوضح الصحفي الفرنسي أن "مصالح فرنسا الاقتصادية والثقافية في مصر آنذاك كانت خمسة أضعاف مصالح بريطانيا" التي ظل لها وجود عسكري دائم بمصر منذ 1882 حتى قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 التي قام بها تنظيم الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر.
واعتبر بالتا أن بلاده والدول الغربية عموما ضيعت "فرصة تاريخية ثمينة" حينما عمدت إلى محاربة عبد الناصر "الذي كان يحمل مشروعا تحديثيا غير معاد للغرب وإن كان مناهضا لوجوده الاستعماري في الأقطار العربية وبقية أنحاء العالم الثالث".
جان لاكوتور حضر بالإسكندرية خطاب عبد الناصر الذي أعلن فيه تأميم القناة
وطني وواقعي
وفي نفس السياق رأى الصحفي الفرنسي الشهير جان لاكوتور الذي كان مراسلا لصحيفة فرانس سوار بالقاهرة من 1953 إلى 1956، أن عبد الناصر كان "وطنيا غيورا" على مصالح مصر وقوميا عربيا حريصا على تحرير دول المنطقة من الاستعمار البريطاني والفرنسي.
وشدد لاكوتور على أنه كان في نفس الوقت "سياسيا واقعيا وإنسانا مثقفا ذا فضول معرفي كبير".
وروى المراسل السابق أنه حضر بالإسكندرية خطاب الزعيم المصري الذي أعلن خلاله تأميم قناة السويس مشيرا إلى أن "تراجع الأميركيين عن تمويل بناء السد العالى بأسوان هو الذي دفع عبد الناصر إلى القيام بهذه الخطوة".
وأكد أن السبب الأساسي لتوتر العلاقات آنذاك بين القاهرة وباريس كان يتمثل في دعم المصريين للثوار الجزائريين، مشيرا إلى أن العلاقات بين العاصمتين استؤنفت فور استقلال الجزائر عام 1962. وكشف الصحفي الفرنسي عما أسماه الإعجاب الكبير المتبادل بين عبد الناصر والجنرال شارل ديغول الذي انتخب رئيسا لفرنسا عام 1958.
صراع سياسي
وفيق رؤوف: حكومة فرنسا لعبت الدور الأساسي في تدبير العدوان الثلاثي
أما الباحث العراقي وفيق رؤوف فقال إن الحكومة الفرنسية بقيادة الاشتراكي غي موليه هي التي لعبت الدور الأساسي في تدبير العدوان الثلاثي.
وأشار إلى ما ورد في كتاب "أسرار حملة السويس" الذي نشره مؤخرا المؤلف الفرنسي دنيس لوفيفر، من أن وزارة موليه تعهدت لبريطانيا آنذاك بانضمام فرنسا إلى منظمة الكومنولث مقابل مشاركة لندن في الحرب على مصر، بينما أغرت إسرائيل برفع مستوى التعاون العسكري معها خاصة في المجال النووي.
وأضاف رؤوف أن عبد الناصر لم يكن "شيوعيا ولا إسلاميا متطرفا" مؤكدا أن صراعه مع الغرب كان بالأساس ذا طبيعة سياسية.
واعتبر أن العالم العربي لم ينجب بعد قائدا من طينة عبد الناصر، مستشهدا بالشاعر نزار قباني الذي رثى الزعيم الراحل قائلا "فمثلكم كان كثيرا علينا". وخلص رؤوف إلى أن "الأحداث اللاحقة لم تكذّب تقييم قباني".
المصدر: الجزيرة
المفضلات