هذا هو دأبهم منذ عدة أعوام.. يجوبون البلاد بطولها وعرضها من مدينة إلى مدينة ومن شارع إلى شارع إلى أن حطوا رحالهم في بكين، فهي عاصمة البلاد ومقر الحكومة ولا فرق إن دخلوا المدينة من باب واحد أو من أبواب متفرقة، فمأساتهم واحدة.
عشرات من الآباء والأمهات لا يحملون "زادا ولا زوادا" سوى لافتات قماشية يصل طول الواحدة إلى أكثر من مائة متر طبعوا عليها صور فلذات أكبادهم، يفترشونها كلما سنحت لهم الفرصة بعيدا عن عيون رجال الشرطة وقريبا من عيون المارة.
خمسة آلاف دولار فقط لا غير للطفل الذكر، قد يشتريه بعض السيارة من العائلات الموسرة التي أوتيت من زينة الحياة الدنيا "المال" وحرمت من البنين، أو قد ينتهي به المطاف إلى التسول والسرقة في الشوارع لحساب عصابات الجريمة المنظمة، أو ينضم إلى طوابير الأطفال العمال.. هذا إذا تمكن من العيش قبل أن تتحول أعضاؤه إلى قطع غيار لمن يحتاجها.
أما الأنثى فتباع بثمن بخس لا يتجاوز خمسمائة دولار، ومع هذا لن تجد لها مكاناَ سوى العمل كخادمة أو إجبارها على الانضمام إلى بيوت الدعارة.
طفح الكيل
اختطاف الأطفال والاتجار بالبشر باتت ظاهرة تقض مضاجع الآباء وتؤرق المجتمع الصيني بأسره، وفي بلد يفرض على مواطنيه سياسة الطفل الواحد منذ عدة عقود، فإن المصيبة تتضاعف وتصل حد المأساة.
وترفض الحكومة الصينية إعطاء إحصاءات دقيقة حول عمليات الاختطاف، ولكن وفق إحصاءات غير رسمية لمنظمات غير حكومية تم رصد أكثر من ستمائة ألف حالة اختطاف خلال الأعوام الأخيرة بمعدل سبعين ألف حالة في العام أو بمعدل 190 حالة في اليوم.
أحد الآباء فقد ابنه قبل أن يتم ربيعه الثامن، يقول للجزيرة نت "لو كانت هذه الأرقام المرعبة ناتجة عن مرض مجهول لاعتُبِر وباء واستدعى إطلاق الحملات وتخصيص الموازنات الضخمة واللجان الخاصة والمؤتمرات الدولية لمواجهته.
وأضاف متسائلا "لماذا يتم تجاهل هذه المأساة الاجتماعية الخطيرة؟ ولماذا تلتزم الحكومة الصمت تجاهها؟ ولماذا تلاحقنا الشرطة كلما حاولنا التجمع لطرح مأساتنا على الرأي العام؟"، ويضيف "إنني ما زلت أعتقد بأن الخاطفين بشر أيضا وقد يرأفون لحالنا ويعيدون لنا أبناءنا".
أب يحمل صورة ابنه المخطوف (الجزيرة نت)
أب آخر يعرض كل ما ادخره في حياته من مال مقابل عودة ابنه إلى حضنه بعد خمسة أعوام على ضياعه، ويقول إنه مستعد للصفح عن المجرمين ومسامحتهم.
ويضيف منتقداً الحكومة بشدة "إنها لا تهتم إلا بالانفتاح الاقتصادي، ولا نسمع منها إلا كلاما عن تحسين مستوى دخل الفرد، لكن ما الفائدة من زيادة دخل الفرد إذا كانت الحكومة غير قادرة على حماية أفراد أسرته؟".
أما الحكومة فإنها تعترف بحجم الكارثة وتنفي وقوفها مكتوفة الأيدي، وتقول إنها نجحت منذ بداية العام الحالي في تفكيك أكثر من 2500 عصابة إجرامية لخطف الأطفال والاتجار بهم واعتقال أكثر من 16 ألفا من أعضائها، كما نجحت في تحرير ألفي طفل وعشرة آلاف فتاة بينهم أكثر من ألف فتاة أجنبية من دول الجوار كفيتنام ولاوس وكمبوديا ومنغوليا.
كما افتتحت الحكومة مؤخرا 250 مركزا لفحص الحمض النووي للآباء كي يتم التعرف على من يتم العثور عليهم من الأبناء بعد سنوات من اختطافهم.
وبدأت الكثير من المدارس الصينية الاستعانة برجال أمن يحرسون أبواب المدارس ويرافقون الطلاب إلى بيوتهم في حافلات خاصة، بينما اكتفت مدارس أخرى بعدم السماح للطلاب بمغادرة المدرسة بمفردهم بعد انتهاء الدوام إلا بتسليمهم مباشرة إلى ذويهم بعد التأكد من هويتهم، لكن كل تلك الإجراءات ليست كافية لحل المشكلة.
قوانين قاصرة
محام متطوع في منظمة غير حكومية معنية بحماية الأطفال يرى أن قوانين العقوبات الخفيفة بحق المجرمين هي السبب الرئيسي في عدم إيجاد حل جذري لهذه الظاهرة، ويطالب بتشديد هذه العقوبات.
ويقتصر قانون العقوبات على من يثبت تورطهم في الاتجار بالبشر أو الاختطاف على السجن خمس سنوات فقط كحد أقصى دون أي غرامة مالية، ثم يطلق سراحهم بعد فترة قصيرة إذا أثبتوا سلوكا حسنا داخل السجن. لكنهم سرعان ما يعودون إلى ممارسة نشاطهم الإجرامي بعد خروجهم من السجن، كما يقول المحامي الصيني.
المصدر: الجزيرة
المفضلات