''متل ما رحتي متل ما جيتي''
اجبد - قد تكون كلمة "الفشل" العبارة الأنسب لوصف لقاء رئيس الوزراء سمير الرفاعي وممثلي الحركة الإسلامية السبت لإقناعهم بالعدول عن مقاطعة الانتخابات النيابية.
وربما كان ما صرح به قيادي إسلامي بارز لـ"النهار" بأنه "لن نشارك ما لم يتغير قانون الانتخاب" أبلغ رد على تأكيد جميع أقطاب الحكومة ان اللقاء كان "إيجابيا".
ولعل الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الجانبان هو "الإبقاء على باب الحوار مفتوحا" على رغم تساؤل القيادي، الذي رفض ذكر اسمه، عن جدوى اللقاء لاحقا ما دام كل طرف متمسكاً بموقفه.
وشارك في اللقاء عن الحكومة رئيس الوزراء سمير الرفاعي ونائباه رجائي المعشر ووزير الدولة نايف القاضي، ووزير الشؤون البرلمانية توفيق كريشان ووزير التنمية السياسية موسى المعايطة ووزير الإعلام والاتصال علي العايد. وعن الحركة الإسلامية الامين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور وعضو المكتب التنفيذي رئيس اللجنة السياسية زكي بني أرشيد وأمين السر العام لجماعة "الإخوان المسلمين" جميل أبو بكر وعضو المكتب التنفيذي للجماعة رئيس الدائرة السياسية رحيّل غرايبة.
أجواء مشحونة
ومع أن المفاوضات، بما تحمله من مناورة وتقديم تنازلات متبادلة من الأطراف المتفاوضين، قد تفضي إلى انفراج في العلاقة السلبية بين الطرفين، إلا أن "المكتوب باين من عنوانه"، كما يقول الأردنيون، إذ كانت المؤشرات من كلا الجانبين ومن المراقبين غير متفائلة وتومىء إلى أن هذا الحوار لن يأتي بجديد. فكلا الطرفين استبق الحوار بإطلاق تصريحات متشددة، تُفرِغ الحوار من مضمونه وتضع العقبات أمامه. فالحكومة شددت على لسان أكثر من مسؤول، وخصوصا مستشار الرئيس والناطق باسم الانتخابات سميح المعايطة، على أن اجراء أي تعديل على قانون الانتخاب هو أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا، وأن ولا تغيير لموعد الانتخابات التي "هي استحقاق دستوري" كما تردد الحكومة.
بينما أصر الإسلاميون على ضرورة التعديل كونه مدخلاً للإصلاح السياسي. وهم كانوا يعلمون جيدا أن دعوة الحكومة إياهم للحوار لم تأتِ عن طيب خاطر وإنما أجبرت على ذلك رضوخا لأمر ملكي. فهي رفضت فتح باب الحوار معهم منذ إعلانهم المقاطعة قبل أكثر من 45 يوما، وعلى رغم تصريح الإسلاميين بأنهم مستعدون للحوار، وأنهم يقبلون بمبدأ الحد الأدنى من الموافقة على مطالبهم، بما يؤكد نية الحكومة على الإصلاح الحقيقي. ويعلمون كذلك أنه بينما يوجد في دوائر صنع القرار في الدولة من لا يرغب في مجرد رؤية وجوه الإسلاميين ولا يخفون رغبتهم في عدم مشاركتهم في الانتخابات، بينما هناك من يشدد على أهمية وضرورة مشاركتهم ويحذر من مخاطر تغيبهم وأثر ذلك على مجمل الحياة السياسية وصورة الأردن في الخارج بصفته نموذجاً للديموقراطية.
ويعلمون كذلك أن الحكومة تعرضت وتتعرض لضغوط خارجية وخصوصا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (أكبر المانحين لخزينتها المثقلة بالعجز) تقضي بأن مشاركة الإسلاميين ضرورية لتأكيد أن الأردن جاد في عملية الإصلاح السياسي.
وهم، كما يقول احد قيادييهم نبيل الكوفحي "يعون احتمال أن تسعى الحكومة لإظهار نفسها راغبة وحريصة على مشاركة الحركة الإسلامية وعلى الحوار معهم، وأن التصلب هو من جانب الإسلاميين".
وما جعل الإسلاميين يتشددون في مطالبتهم بتعديل القانون، تراجع الحكومة قبل أسبوعين عن قانون الجرائم الالكترونية الموقت وتعديلها بعض بنوده عقب الحملة الشرسة التي شنتها المواقع الإخبارية الإلكترونية على الحكومة ورئيسها، ووصفها إياه بعدو الحريات والصحافة، وكذلك تدخل واشنطن عبر الخارجية وسفارتها في عمان بالضغط لمنع وضع قيود على الإعلام الالكتروني.
مجريات اللقاء
الحكومة من خلال البيان الذي أصدرته وبثته وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، أكدت في اللقاء أهمية المشاركة في الانتخابات النيابية وبما يخدم التنمية السياسية، وحرصها على مشاركة الحركة الإسلامية ومختلف الأحزاب والأطياف السياسية.
في المقابل، أكد عضو وفد الإسلاميين رحيّل الغرايبة لـ"النهار" أن الوفد تمنى على الحكومة ألا تتمترس خلف اللاءات التي أطلقتها (لا تعديل على القانون ولا تغيير لموعد الانتخابات). وقال إنهم أوضحوا لرئيس الوزراء أن "المصلحة العليا يجب أن تتغلب على جميع العوائق". ونفى بشدة أن يكون الوفد طرح أي مطلب خاص وتحديدا ما يتعلق بملف جمعية المركز الإسلامي التي وضعت الحكومة يدها عليها منذ أربع سنوات.
نفق مظلم
هذه النتائج التي أفرزها اللقاء والمتمثلة بفشل الحوار وتمترس الحكومة عند موقفها بإجراء الانتخابات في موعدها مع رفض تعديل القانون، والإسلاميين بالمقاطعة والتحشيد لتوسيع إطارها ما لم يعدل القانون، لن تؤدي إلا إلى خسارات تشمل الجميع. فالحكومة، التي من مصلحتها أن يشارك الجميع على الانخراط في العملية الانتخابية، ستتأثر صورتها سلبا في الداخل والخارج، وسيسجل بأنها لم تحز إجماعاً كاملاً على حسن إدارتها للانتخابات. وهو ما سيؤثر بالضرورة على الموقف من مدى شرعية مجلس النواب المقبل.
والإسلاميون قد يجدون أنفسهم في عزلة سياسية لغيابهم عن أحد أبرز المنابر في أي دولة، وما سيتبعه من خسارات على مستوى الإعلام وتأييد الرأي العام لهم. وفوق ذلك ربما يتعرضون لمضايقات سياسية وقانونية واشتراعية من الحكومة انتقاما منهم على مقاطعتهم الانتخابات.
وصورة الدولة الأردنية في الخارج، التي يحاول الملك جاهداً تثبيتها بصفتها دولة حضارية ونموذجاً في الدمقرطة والإصلاح، ستهتز بقوة وتزداد قتامة، إضافة إلى تراجع ترتيبها في أكثر من مستوى تنافسي اقتصادي.
فهل تحمل الأيام المقبلة مفاجآت تحيل إلى فضاء رحب وتفاهمات "تقسم البيدر" بين الافرقاء، أم يدخل الأردنيون نفقا مظلما يقود إلى مزيد من التأزيم والتصارع؟
المفضلات