منذ كنت بالثانوية العامة (التوجيهي) ارتبطت القهوة لدي بمعنى..
فلا أجد هذا الشراب إلا ككائن يصغي ويتحدث !
مراحل علاقتي و مـg القهوة:
(التوجيهي) كان ارتشافي لذاك الفنجان عبارة عن اختلاء مع ذاتي في محاولة لقراءة المُستقبل (سأكون ام لن أكون) ، كنت أبوح إليه بأحلامي وأصغي لارشاداته
فقد كنت طوال مراحل الدراسه المدرسيه فتاة تنجح ( بالدفش ) فقط مديرة المدرسه تأمر المعلمات ان يضعن لي علامات تكفل نجاحي ،
هذا كونني كنت مصدر جوائز للمدرسه لابداعات لا منهجية تختص بالموسيقى والمسرح والكتابة
وعندما جاء الرعب المسمى : توجيهي
كل ما سمعته ممن حولي : ليش انتي متوقعه تنجحي ؟ ما احنا عارفينك !
لذا ،
كنت استيقظ قبل الفجر بساعتين يوميا ادرس من وراء اهلي وكل الناس
وعند استياقظ احد من اهلي يظنني فقط اصلي الفجر
فمضى التوجيهي وما عرف احد انني ادرس
فقد شككت مثلهم بقدرتي ان انجح وانا طوال عمري ما عرفت ما هو المبتدا وما هو الـwas
بدأت من الصفر
وكان ان جاء يوم النتيجه
ولم يذهب احد لاحضارها فالكل يعرف بانني لن انجح
فذهبت انا ،
وعدت باكية للمنزل
ليستقبلني والدي بجمله : معلش يابا لا تعيطي بكره بتعيدي وبتنجحي واخذ يداري مني حزبنه علي
وانا من كثرة البكاء لم استطع ان اخبره بتوفقي لا بنجاحي فقط
وكانت والدتي قررت يومها الخروج من المنزل فقط للهروب
وبقيت انتظرها امام النافذه لتكون اول من يسمع بالنتيجه فهي امي وهي كل حياتي
وعندما شاهدت السياره تقف امام المنزل
رفعت رأسها اول ما نزلت منها وكأنها تعرف بأنني انتظرها !
ففتحت النافذه وقلت لها بأعلى صوت استطعته : يما انا نجحت !
فما كان منها إلا أن جلست على الرصيف لتصلي ركعتين لله وتبكي
فنزلت راكضة اليها
وكل المبنى واهله ومن في الشارع تجمهروا من حولنا
فقبلتها وقلت لها : 80 ! جبت 80 !
فزاد بكاءها !
فأمسكت بيدها امام كل المتجمهرين وغنيت لها :
بغنيلا وبدئلا وغير بحبك ما بئلا
بحطا ع راسي من فوء ئدام العالم كلا
بحبا ئد مواج البحر والطير وغنياتو
وحب النحل لطيب الزهر والربيع لنسماتو
بندهلا بيتخبا البدر لأنا البدر بزاتوا
بتأمرني ع طوا العمر وشو ما بدا بعملا
ما كتيرة علي بيحب يهدي عمرو لمحبوبو
مهما كانت صعبة الدرب بيضويلوا الحب دروبو
ولي بحبو صافي الئلب ما بيتخيب مطلوبو
نور عيوني الكلا حب ان طلبت روحي بئدملا
كانت فرحة ولحظة سعاده لم اعش مثلها ولا اظنني سأعيش مثلها ابدا ،
كان فنجان القهوة هو الوحيد الذي يعرف بأنني ادرس وانني لم اكن غبيه ولا مهمله كنت فقط احب الموسيقى والمسرح اكثر من الكتب المدرسيه ،
ثم انتقلت للمرحلة الثانية لعلاقتي والقهوة :
بهذه المرحلة توطدت علاقتي معه لتصبح على معاني اكثر اتساعا وبهجة ونضجا ،
خلال دراستي بالكرك الجميلة..كنت أسكن في منطقة المرج..وكنت -كطبيعتي دائما- أُحب ان ابدأ يومي باكرا
أحب أن اراقب استيقاظ الأرض وتثائبها على وجه الحياه
لذا فقد كنت أفضل المحاضرات الصباحية (الساعة 8) لأُنهيها قُرابة الظهيرة فأعود لسكني سريعا بعيدا عن ضوضاء الجامعة.. وبعيدا عن اهتمامات ليست من اهتماماتي
بدأت العلاقة الثانية مع الفنجان بعمُّو (أبو حسن) ،
(نزلت) من الباص للباب الرئيسي
وإذ برائحة جميييييييييييييييلة تنادي علي
التفت لأرى صرحاً كان بالماضي رجلا جميلا ولا يزال كريما..
مرحبا عمو صباحك خير ممكن فنجان ئهوه ؟
على راسي يا عمي، حلوة ؟
لطالما احببت القهوة بلا اضافات تسلبها حقيقتها المره الطيبة ، ولكن حلاوة هذا الرجل أجبرتني الا ان اقول: حلوه عمو متلك
وعندما تحرك ليملأ لي فنجان كرتوني ، شعرت بقدمه تتحرك بصعوبة
بداية لم التفت لها ولم اعرها اهتمامي..
وهكذا اصبحت يوميا اقول نفس العبارة:
مرحبا عمو ابو الحسن
كيفك عمو
آه لو سمحت فنجاني واتوصى فيه علي امتحان
فيناوله لي مبتسما برزانة خلابة قريبة جدا من الأرض الغالية
و في ذات يوم وصلت ابكر من المعتاد..فلم اجده
وفي اليوم الثاني لم يكون موجودا ايضا
في يومي الثالث وجدته ينتظر رزقه ،
فسألته خير عمو وين سارلك يومين ما صبحتنا بأزكى ئهوه ؟
ولاول مرة اجاب عن (كيفك عمو)اليوميه ، بشكل جديّ :
والله يا عمي مبارح رحت آخذ الابرة وما رضيو يعطوني اياها
ارتسمت على وجهه كل علامات الحزن والألم
لم اتمالك نفسي امام هذا التعبير فلطالما كانت نقطة ضعفي الاطفال وكبار السن
فجلست لجانبه على الرصيف متناسيه ان محاضرتي بدأت فعلا ! : خير عمو شو في؟
يا عمي عندي سرطان بالعظم، وكل اسبوع باخذ ابرة ب 70 دينار وهالاسبوع قالولي مش متوفرة الابرة..طيب كيف يا عمي بدي اقدر اوقف عليها طول الاسبوع
الحزن الذي غلف صوته لليوم يسكن قلبي
لم اعرف ماذا اقول وماذا افعل فقد ربط لساني الحزن ايضا
معلش عمو الله كبير بيفرجها
آه يا عمي الله كبير قومي عمحاضرتك، ما اتأخرتي؟
كنت اريد ان اصرخ ما همك بمحاضرتي الآن؟ كيف انا استطيع ان ازيل همك؟
لم انطق بأي من هذا
فقط ابتسمت له وسرت بفنجاني مبتعده خطوة للامام وخطوات تريد ان اعود اليه للخلف
خطوة ثانية فثالثة
واذ به ينادي..عمو ؟
وكأنني كنت اعلم بأنه سينادي علي ، عدت اليه كلمح البصر عله يطلب مني اي شيئ
واذ به يخرج من جيبه (ملبستين) بنكهة البرتقال والقهوة
هذول يا عمي مني الك عشان الله يحلي ايامك..
مبتسما اجمل ابتسامه ملؤها الكرامه والحزن رأيتها بحياتي
هل تقبلينها؟
هل أقبلها!!!!!
لا زالت لليوم بمحفظتي أغلفة هذه الحلوى
وكان فنجان القهوه المسائي رفيقي لتأمل جمال الكرك هذه المدينة التي لا تزال تسكن قلبي
ثم انتقلت العلاقة للمرحلة الثالثة علاقتي والقهوة :
قهوة العمل الصباحية اليومية من كشك الشارع التي اتمنى ان تمدني بالهدوء حتى اعود للمنزل
التي ومن خلالها اعرف ان اليوم بدأ..وأعرف انني اترقب انتهائه
فعلى الرغم من اهمية العمل وجماله في حياتنا
الا انه متى كان خاليا من احلامنا يضحي استعبادا للروح وبالتالي ثقلا على ايامنا
واليوم :
القهوة لدي هي رفيقة الأرق والسهر والغربه والحنين للماضي
القهوة هي ملاذ الروح للتأمل
وخلوة النفس للماضي بذكرياته
~~~~~~~~~
هل لديك فنجان القهوة يرتبط بمعنى ؟
ما مكانة القهوة في حياتك ؟
حدثنا عنه 00(
المفضلات