اتهام الحركات النسائية بترويجها لأجندات مفروضة من الخارج
يسيطر على أجواء الجدل حول قضايا المرأة في الأردن النقد الدائم للحركات النسائية بأنها تسعى لتطبيق الحق عبر قانون يُفرض من الخارج, وهذا ما يقف أحياناً خلف النظر بعين الشك لهذه الحركات.
وفي المقابل بدأ في نهاية التسعينيات ينمو تيار النسوية الإسلامية, كمحاولة للخروج برؤية نسوية تطالب بحقوق المرأة لكن من منظور إسلامي, وليس علماني كما هو حال أغلب التيارات النسوية في العالم.
الحركات النسائية هل هي في خدمة أجندات خارجية ?
وتشير دراسة أعدتها الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع ابتسام العطيات إلى أن نقد الحركات النسائية بأنها تروج لأجندات مفروضة من الخارج لا يقتصر على الأردن.
وتضيف "الجدل بأن الأجندة الدولية لحقوق الإنسان غربية الهوية, علمانية, تركز على الفرد مقابل الجماعة وعلى تطبيق الحق عبر قانون يُفرض, إنما هو جدل يطلقه العديد من أصحاب فكرة النسبية الثقافية".
وأصحاب النسبية الثقافية ليسوا أبناء الثقافة الإسلامية والعربية وحسب, بل هم أبناء ثقافات متعددة يعتقدون بأهمية احترام اختلاف الثقافات وتنوعها, وعليه لا يمكنهم تقبل فكرة قانون يفرض على سائر الكرة الأرضية من دون الأخذ بعين الاعتبار بالاختلافات التي تميز ثقافة عن أخرى.
في ذات السياق تعتبر الباحثة في دراستها الحاملة لعنوان "حقوق المرأة بين الخصوصية الثقافية والدينية والمواثيق الدولية" أنه في العالم الإسلامي بصورة خاصة تمثل فكرة الأجندات الدولية أبعاداً أساسية في فهم مشكلة العالم الإسلامي معها.
وبقي الجدل دائراً في الأردن بين الإسلاميين والعشائريين من جهة والقطاع النسائي من جهة ثانية, حول مدى ملاءمته لسياقنا الثقافي ببعديه المجمعي والديني, خلال التغيرات التي طرأت على وضع المرأة الأردنية في العقود الثلاثة المنقضية والتي بدأت بمطالبة المرأة بحقوق الترشح والانتخاب وانتهاء برفع التحفظات عن المادة (15) من اتفاقية سيداو والخاصة بحرية التنقل واختيار السكن.
إذ يعتقد الكثيرون أن المطالبات النسائية في الأردن لمنح المرأة حقوقاً مساوية للرجل, انطلاقاً من فكرة مواطنة المرأة كما الرجل, تدفع الكثيرين لاعتبار هذا التيار النسائي علمانيا.
وتعتبر الباحثة أن هذا الخلط غير دقيق, مستدلة بالإستراتيجية الوطنية للمرأة الأردنية - التي تتوافق على مضامينها المنظمات النسائية الوطنية - والتي تؤكد في ديباجتها شرط التوافق مع الدين وعدم مخالفة الدستور اضافة إلى اعتبار الأجندات الدولية مصدرا أساسيا للمشروع النسوي الأردني.
وهنا بينت العطيات أهمية البحث عن مقاربة لحقوق المرأة تتمتع بالفعالية والقدرة على التأثير والقبول المجتمعي.
الدعوة لقراءة الدين بعين نسوية .
وليتأتى البحث عن مقاربة تحظى بقبول مجتمعي, ترى الباحثة أنه لا بد من الوصول لمقاربة حقوقية تؤمن بأن أي منهج ناجح لتحسين أوضاع النساء لابد وان ينبع من الخصوصية الثقافية لكل بلد.
ما سبق يعني أن النساء المسلمات تحديداً يعانين - وفق الباحثة - من إشكالية التوفيق بين تجاربهن وحياتهن اليومية وبين الأجندة الدولية لحقوق المرأة, التي تتصف بفلسفتها العلمانية والإمبريالية غير المعتبرة لأهمية الدين.
الأمر الذي يضع المرأة المسلمة في حالة من التضاد مع مجتمعها وسياقها الثقافي وفي حالة أزمة للهوية.
وتصدياً للعقبة التي تواجه المرأة المسلمة كون النصوص الإسلامية مازال يتم تفسيرها وقراءتها من منطلق ذكوري, بدأت تتعالى أصوات في تركيا وإيران وشمال أمريكا وجنوب أفريقيا لتقديم قراءة نسائية للقرآن الكريم.
وتستند الإسلاميات في مشروعهن هذا إلى منهجية قوامها التفسير والاجتهاد, إلى جانب استخدام أدوات تحليل اللغة ودراسة التاريخ والأدب والأنثروبولوجيا لإعادة اختبار النصوص الإشكالية في الشريعة الإسلامية.
وهن في اختبارهن لهذه النصوص يقفن في مواجهة تاريخ طويل من التعامل مع النصوص الشرعية من مناظير وخبرات رجولية بحث.
تتمثل العطيات لذلك بترديد النسويات الإسلاميات للآيات المؤكدة للمساواة بين الرجال والنساء كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة), كما يفسرن كلمة "القوامة" بأنها لم تكن في يوم تشريفاً بل تكليفاً للرجل, وليست نصاً ملزماً لكل زمان ومكان مستشهدات أنه بإمكان النساء الإنفاق على أسرهن.
النسوية الإسلامية خطوة نحو تنوع التيارات النسوية
ويعد ظهور النسوية الإسلامية رداً على العديد ممن يعتبرون أن النساء في العالم الإسلامي وبحكم الدين والثقافة الراسخة عاجزات عن تحرير ذواتهن من قيود الاضطهاد والتمييز والعنف.
إلى جانب ذلك وانطلاقاً من أن شؤون النساء ما زالت تكال بمكيال الدين والعادات والتقاليد, فإن هذا التيار يعد إثراءً للحراك النسوي في المنطقة العربية, كونه يعد وفق الباحثة آلية طال البحث عنها لتصويب وضع النساء ومنحهن حقوقهن.
وتعتبر الباحثة أن درب البحث عن مقاربة لحقوق المرأة تتمتع بالفعالية والقدرة على التأثير والقبول المجتمعي, لا يتم باختيار تيار نسوي دون آخر, بل إنها ترى أن تعدد التيارات النسوية هو دليل صحة في المجتمع.
مبينة أن التواصل والتفاعل بين هذه التيارات الإسلامية وغيرها لابد وأن تكون ثمرته مقاربة تكاملية تحترم منطلقات كل اتجاه, والأهم من وجهة نظر الباحثة هو أن تتولد قناعة لكل أطراف المشروع النسوي الأردني بأنه من المهم التشبيك بين الجميع مهما اختلفت المرجعيات.0
" العرب اليوم - رانية الجعبري "
رد مع اقتباس
المفضلات