الموضوع منقول من موقع السوسنة
«مُشَاكَاةُ المُعَلِّمَةِ المُعَلِّم»
المقالات
مـقـالات الســوســنـة
|
تاريخ اخر تحديث : 22:00 15/08/2010 الكاتب : رياض الربابعة
رياض الربابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
«مُشَاكَاةُ المُعَلِّمَةِ المُعَلِّم»
نص مقتبس من كتاب فائت الأمثال لمؤلفه د.فواز اللعبون
وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في الاثْنَيْنِ يَتَشَاكَيَان، وكِلاهُمَا عَلَيْهِ مِنَ العَنَاءِ عُنْوَان، والمُعَلِّمَةُ والمُعَلِّمُ في غِنىً عَنِ التَّعْرِيْف، لِـحَمْلِـهِمَا رِسَالَةَ الدِّيْنِ الـحَنِيْف، ولِعُلُوِّهِمَا في المَـرَاتِب، مَعَ قِلَّةِ الرَّاتِب، فأَسْأَلُ ذَا الإحْسَانِ والمِنَّة، أَنْ يَـجْعَلَ جَزَاءهُمَا الـجَنَّة.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ زَوْجَيْنِ يَعْمَلانِ في التَّعْلِيْم، وهُمَا عَلَى هَذِهِ الـحَالِ مُنْذُ قَدِيْم، ومَرَّتْ بِـهِمَا السَّنَوَات، ولَـمْ تُـخَفَّفْ عَنْهُمَا المَشَقَّات، هُوَ نِصَابُهُ كَامِلٌ رَغْمَ طُوْلِ الـخِدْمَةِ والـخِبْرَة، وهيَ تَسْلُكُ إلى مَدْرَسَتِها النَّائيَةِ مَسَالِكَ وَعْرَة.
وكانَ لَـهُمَا جارٌ مُلاصِق، يَسْمَعُ مِنْهُمَا البَوَائق، وفي لَيْلَةٍ شَدِيْدَةِ الظَّلام، سَمِعَهُمَا يَتَـرَاشَقَانِ الكَلام، هُوَ يَقُوْلُ: أنا أَكْثَرُ مِنْكِ مَشَقَّة، فلا تَـزِيْدِي عَلَيَّ الشُّقَّة، ودَعِيْنِي الآنَ أَنَام، فعِنْدِي غَداً دَوَام، حَيْثُ سَأَمُرُّ عَلَى إدَارَةِ التَّعْلِيْم، وسَأُوَقِّعُ عَلَى مِئةِ تَعْمِيْم، لأنَّنِي زَجَرْتُ طَالِباً لَـمْ يَفْهَم، فسَدَّدَ لي لَكْمَةً في الفَم، وحِيْنَ جَذَبْتُهُ مِنْ شَعْرِه الوَفِيْر، إلى حَيْثُ مَكْتَبُ المُدِيْر، رُفِعَ فيَّ تَقْرِيْرٌ مُسْتَعْجَلٌ لِلْوَزَارَة، فما لَبِثُوا أنْ جَاؤوا في خَفَارَة، وأَخَذُوا عَلَيَّ تَعَهُّدا، أنْ آتِـيَـهُمْ غَدا، وأَنْ أُعِدَّ اعْتِذَاراً لِلطَّالِب، وأُقَـبِّلَ كَفَّ الضَّارِب.
وهيَ تَقُوْلُ لَهُ: أَهَذِهِ الشَّكَاة؟! أَنا كُلَّ يَوْمٍ تَضْرِبُنِي فَـتَاة، ولا شَكَاةَ لي مِنْ ذَلِك، شَكْوَاي مِنْ دَرْبِ المَهَالِك، أَخْرُجُ السَّاعَةَ الرَّابِعَة، وأَعُوْدُ لَيْلاً في السَّابِعَة، وأَهِيْمُ في الطُّرُقِ المَمْطُوْطَة، كَأَنَّنِي بِنْتُ بَطُّوْطَة، وكَمْ تَعَـرَّضْتُ لِـحَادِث، ومُعَاكَسَةِ عَابِث، وكَمْ فَارَقَتْ زَمِيْلاتي الـحَيَاة، وتَنَاثَـرْنَ أَشْلاءَ في الطُّـرُقَات، وطَالَـمَا نَجَوْتُ بإعْجَاز، وهَا أَنا أَمْشِـي عَلَى عُكَّاز.
وبَيْنَمَـا الـجَارُ إلَيْهِمَا يَسْتَمِع، إذْ خَفَتَ صَوْتُـهُمَا المُرْتَفِع، وأَدْرَكَ أنَّ مَـجْلِسَ خِصَامِهِمَا انْفَضّ، لَـمَّا سَقَطَ العُكَّازُ عَلَى الأَرْض، ثُمَّ تَـبَـيَّنَ مِنْهُما هُدُوْءَ النَّفْس، حِيْنَ سَمِعَ مَا يُشْبِهُ الـهَمْس، فانْصَرَفَ عَـمَّا كَانَ فِيْه، وأَنْشَأَ يُنْشِدُ مِلْءَ فِيْه:
حَـمَدْتُ اللهَ ربِّي إذْ هَدَاني
قَنِعْتُ مِنَ (الكَفَاءةِ) بالأَمَانِي
لَدَيَّ تِـجَارةٌ أَصْبَحْتُ فِيْهَا
فَكَمْ مِنْ جَامِعِيٍّ لَوْ رَآنِي
ولَـمْ أَتْعَبْ لأُصْبِحَ جَامِعِيّاً
فَكَمْ بَعْدَ التَّخَرُّجِ مِنْ مَآسٍ
أَفي التَّعْلِيْمِ يَـبْـتَـنِـيَانِ جِيْلاً
مَعاً كَمْ يَلْقَيَانِ مِنَ الرَّزَايَا
وأَعْجَبُ مَا سَمِعْتُ مِنَ التَّشَاكِي
هُمَا اثْنَانِ ارْتَـمَتْ بِـهِمَا حُظُوْظٌ
فَإنْ عَابَ امْرؤٌ جَهْلـِي فَإنِّي
فَيَا ربِّي لَكَ الـحَمْدُ ابْتِدَاءً
غَدَاةَ عَلَى الدِّرَاسَةِ لَـمْ أُصَمِّمْ
فَأَشْرَقَ في طَرِيْقِي كُلُّ مُظْلِمْ
عَظِيْمَ القَدْرِ لِلصَّفَقَاتِ أُبْرِمْ
يُبَادِئُ بِالسَّلامِ وَلا أُسَلِّمْ
فَذَلِكَ لا يُؤخِّرُ أَوْ يُقَدِّمْ
وَإرْهَاقٍ لِمُعْدِمَةٍ وَمُعْدِمْ!
وَغَيْرُهُمَا لِـجِيْلِـهِمَا يُـهَدِّمْ؟!
وَمِنْ عَنَتٍ ثَقِيْلِ الوَطْءِ مُؤْلِـمْ
مُشَاكَاةُ المُعَلِّمَةِ المُعَلِّمْ
وَشُدَّ عَلَيْهِمَا قَيْدٌ وَأُحْكِمْ
لِـهَذَا الـجَهْلِ مُـحْتَـرِمٌ مُعَظِّمْ
وَهَا أَنَذَا بِضَافِـي الـحَمْدِ أَخْتِمْ
المفضلات