عرّف مؤتمر الأمم المتحدة عام 1977 التصحر (بأنه تدهور قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض مما يؤدي في النهاية إلى خلق أوضاع صحراوية)، وهي ترجمة من الكلمة الإنجليزية (Desertification) أي تحول المنطقة إلى صحراء أو اكتسابها صفات صحراوية، وبالتالي فالتصحر يدل على امتداد الصحراء لتشمل مناطق لم تكن أصلاً صحراوية، أي انتشار خصائص صحراوية خارج النطاق الصحراوي.
إن مشكلة التصحر نتيجة الجفاف برزت كمشكلة عالمية، فمثلاً في أواخر السبعينات حدثت هجرة كثيفة بإفريقيا نتيجة التصحر، وليس الحال أفضل في بعض الولايات الأمريكية في نفس الفترة لترك مساحات كبيرة دون استغلال أراضيها نتيجة الجفاف.
وصفة الجفاف التي تغطي غالبية مساحة الوطن العربي أدت إلى ظهور العديد من الأنظمة البيئة الهشة، ولكن بقاء هذه الأنظمة البيئية عبر التاريخ - رغم أنها كانت في توازن حرج- حافظت على توازنها حيث عدد السكان القليل والنشاط المحدود والإمكانيات التكنولوجية البسيطة، ولكن زادت هذه الإمكانيات التكنولوجية نتيجة زيادة عدد السكان الكبير مما أدى إلى زيادة معدل الاستهلاك لديهم للموارد الطبيعية، وهذا بدوره أدى إلى الإخلال بهذه النظم البيئية خاصة وأن سوء الإدارة ساعد على ذلك.
وهذا هيأ للتأثيرات السلبية للعوامل المناخية وازدياد تأثيرها في امتداد ظاهرة التصحر إلى معظم أنحاء الوطن العربي.
أما فلسطينياً، فتبرز الآن مشكلة التصحر والتي هي من أخطر المشاكل لبيئة فلسطين، من خلال تدهور موارد الأرض من تربة ومياه ونبات طبيعي نتيجة استنزافها وتدميرها من قبل الاحتلال الاسرئيلي في الفترة الاخيرة جراء عمله في قلع الاشجار الاصلية والتاريخية مثل الزيتون، النخيل، مزارع الكرمة والخضروات، مما أدى إلى تغيير في طبيعة الأرض، وبالتالي تقليل مساحة الأراضي القابلة للزراعة، وكذلك نتيجة عوامل قد تكون طبيعية، كقلة الأمطار، انجراف التربة، تأثير الحيوان على الغطاء النباتي، وعوامل بشرية مثل سوء استخدام الإنسان للأرض، الممارسات الاجتماعية، الاعتداء على الأراضي الزراعية،تفكك الملكية وزيادة أعداد السكان في مساحات محصورة.
وبجولة في مناطق فلسطين، يتبين لنا ان هناك مناطق عديدة عارية، وبالعودة إلى الماضي الغني بغاباته الكثيرة المحاطة بحياة نباتية وحيوانية تميزت بغابات البلوط بكل أنواعه والخروب والزعرور والكمثرى السورية قد نجد الآن مناطق كثيرة قاحلة أو شبه قاحلة، فالعديد من الجبال والتلال جرّدها الإنسان من أحراشها بقطع أشجارها واستعمالها كوقود منذ فترة الحكم التركي، وجردها الانسان الفلسطيني من غطائها النباتي في استعماله الرعي المكثف،ودمرها الاحتلال الاسرائيلي منذ احتلاله أرضنا وحتى هذه اللحظة ،
هذه العمليات أدت إلى تدمير المناطق الطبيعية في فلسطين وبالتالي جزء منها قام بتعرية تلك المساحات من سطحها الترابي ، وأدى إلى نقص استيعاب مياه الأمطار في تلك المناطق. وبالتالي نقص في مخزون المياه الجوفية وكذلك تغذية الينابيع.
إن سوء استخدام الإنسان للأرض منذ العصور القديمة، أدّى إلى خرابها. فكان يقطع الأشجار بحثاً عن الأراضي الزراعية، وازدياد قطع الأشجار والغابات لتوفير أراضي زراعية دون إقامة الجدران ودون تقسيم المنحدرات بحيث لا تسمح بانجراف التربة، والنتيجة خراب الأراضي التي قطعت أشجارها وهجرت زراعتها، ولا ننسى أثر الحروب التي مرت بالمنطقة.
وعمليات الاجتياحات المستمرة والتي تركز على الثروة الزراعية الفلسطينية لإبادتها ، إلى جانب بناء المستوطنات الإسرائيلية وشق الطرق الالتفافية على أراضي زراعية خصبة، والذي أدى بدوره إلى تدمير بيئة الفلاح في هذه المناطق وتدني معيشته، وعدم استقراره الاقتصادي والاجتماعي في هذه المناطق المستهدفة.
وان أهم المشاكل التي من الممكن أن تنجم عن التصحر عديدة ومنها:
1) خسارة محاصيل في أراضي زراعية.
2) اختفاء الغابات الطبيعية.
3) نقص المياه سواء جوفية أو سطحية لارتفاع نسبة التبخر.
4) كذلك يساهم التصحر في تغير المناخ من خلال قدرة عكس سطح الأرض للضوء وخفض المعدل لإنتاج النبات، وزيادة ثاني أكسيد الكربون، فالعلاقة قوية بين المناخ وطبيعة الحياة النباتية، فقطع الأشجار وإزالة الغابات تحدث تغيرات في المناخ، وبالتالي يتعرض التوازن البيئي للاختلال.
إن التدهور الناتج عن التصحر من خلال إزالة الغابات وانجراف التربة من الجبال، وجفاف بعض العيون المائية، وتأثير ذلك على الزراعة والمناخ وعلى الوجهة الصحية والجمالية.
إذاً فمشكلة التصحر عالمية وإقليمية ومحلية. وبالتالي فهي ظاهرة خطيرة لأن التصحر كظاهرة طبيعية وإن بدت مؤقتة إلا أن لها أبعاد بيئية متعددة على حياة الإنسان. لأنها تتعلق في نهاية الأمر بنقص مصادر التغذية، فهي تؤثر على الحياة النباتية والحيوانية وتؤثر على كميات المياه التي تنعكس سلباً على النشاطات الاقتصادية من زراعة وشبكات صرف مائية ومياه جوفية وأسلوب حياة حيث طبيعة المطر يفرض نمط حياة خاصة لسكان الصحراء وتنقلاتهم ويؤثر سلباً على المراعي وتشريد ملايين البشر، كما ذكرنا في إفريقيا في أواخر السبعينات، تلك الهجرة التي ممكن أن نطلق على أصحابها لقب (لاجئين بيئيين). وهذا يؤثر على التجمعات البشرية ووظائفها من خلال النظم البيئية التي تؤدي إليها، وفرض تكيف حضاري مع هذه الأنظمة في كيفية استغلال الأرض والنشاط السكاني مع ظاهرة التصحر.
ومن الممكن أن يتم معالجة التصحر عن طريق:
1) الأنشطة المكثفة لحفظ التربة والتحريج.
2) وضع برامج لتشجيع العمل في المناطق المعرضة للتصحر، بمعنى إدراجها في حفظ التنمية الوطنية.
3) تشجيع البحوث في المناطق المعرضة للتصحر.
4) التثقيف والتوعية والتربية البيئية والتركيز على خطر التصحر، والذي لا غنى عنه في مجال توعية الإنسان الفلسطيني لخطر التصحر وأهمية الحفاظ على التنوع الحيوي/النباتي والحيواني وما ينتج عنه من تدهور قدرة الإنتاج للأرض.
nn6واتمنى ان ينال على اعجابكم.nn6
المفضلات