تتزايد من شهر لآخر اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين فرادى وجماعات لمدن وقرى الضفة الغربية بحجة أداء طقوس دينية، تتم في الغالب في مواقع أثرية إسلامية أو مساجد قديمة.
وغالبا ما يتخذ جيش الاحتلال إجراءات أمنية مشددة يتخللها إغلاق بعض المناطق في قلب المدن والقرى الفلسطينية، بهدف تأمين وصول الجماعات الاستيطانية لأداء طقوسها المزعومة.
وأكد باحثون في تاريخ فلسطين أن الأراضي المحتلة غنية بآلاف المواقع الأثرية التي يطمع فيها الاحتلال، منتقدين التقصير الرسمي في حماية هذه الآثار وإبرازها، ومطالبين بعمل جاد لإعادة ترميمها وإصلاحها.
وتتعرض مدينة أريحا -أسوة بمدن أخرى- باستمرار لاقتحامات المستوطنين وكان آخرها الشهر الماضي, حيث وصل المستوطنون إلى موقع "بيت الكنيست" داخل المدينة، رافعين الأعلام الإسرائيلية، فيما اقتحم نحو أربعمائة مستوطن قلب بلدة عورتا قرب نابلس شمال الضفة الغربية، ومارسوا طقوسا دينية في ثلاثة مواقع.
منزل فلسطيني في الخليل يقتحمه المتدينون اليهود لأداء طقوس دينية (الجزيرة نت)
اقتحام البلدة
وقال الموظف في بلدية عورتا أمجد قواريق إن المستوطنين يتعاملون مع ثلاثة مواقع إسلامية في البلدة كمعابد، ونسبوها لأنفسهم وهي "سبعين شيخ" و"المفضل" و"العيزر"، ويواظبون على اقتحام البلدة لأداء طقوس دينية فيها.
وقال الباحث في تاريخ المقامات عبد السلام عورتي (من نفس البلدة) إن جميع الأبنية التاريخية المستهدفة خضعت لدراسات متخصصة، وثبت أنها بنيت في العهد المملوكي، مستدلا على ذلك بالآثار ومحراب الصلاة في كل منها.
وأضاف عورتي أن هذه المقامات كانت تستخدم كمساجد للصلاة قبل بناء المساجد الحالية، أو مزارات للتبرك بأولياء الله الصالحين، كما كان سائدا بين الناس في ذلك الوقت، مؤكدا أن الناظر لهذه المواقع من الخارج وطبيعة بنائها يتأكد من إسلاميتها.
أما عن دوافع تحويلها إلى معابد ومزارات لليهود، فأوضح عورتي أن أطماع الاحتلال دفعت المستوطنين لاقتحام هذه المواقع وتسميتها بأسماء يهودية جديدة، وتنظيم زيارات لأداء طقوس دينية فيها.
أبو تبانة: هناك محاولات لشطب تاريخ فلسطين الإسلامي واستحداث تاريخ يهودي مكانه (الجزيرة نت)
المنطقة الأثرية
وأسوة بقرية عورتا، يتكرر اقتحام بلدة سبسطية قرب نابلس، وخاصة المنطقة الأثرية، حيث يتجمهر مستوطنون من مستوطنات شمال الضفة الغربية، ويداهمون البلدة لأداء طقوسهم في هذه المواقع زاعمين أنها تعود لأجدادهم. وفق ما أكده سكرتير بلدية القرية قدري غزال.
ويعد قبر يوسف في نابلس -وهو بناء معماري إسلامي قديم- أحد أشهر المواقع التي يواظب المستوطنون على اقتحامها, تماما كما حدث مع قبة راحيل شمال بيت لحم التي ضمها الجدار الفاصل وصنفتها إسرائيل كأحد معالمها التاريخية.
وإضافة للأطماع الواضحة في المسجد الأقصى والزعم بوجود هيكل سليمان، تبرز الأطماع الإسرائيلية واضحة بشكل كبير في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي قسمه الاحتلال بين المسلمين واليهود, فيما يتكرر اقتحام الأحياء العربية في المدينة بدعوى أداء طقوس فيما يسمونه مقام عتنئيل، وهو منزل فلسطيني قديم.
وأوضح الباحث في تاريخ القضية الفلسطينية عدنان أبو تبانة أن المقامات معروفة في علم الآثار واشتهرت في العصر المملوكي، حيث كان المماليك يشيدون الأبنية فوق قبور الأولياء والمجاهدين.
فلسطين غنية
وأضاف أبو تبانة في حديث للجزيرة نت أن فلسطين غنية بعشرات آلاف القبور والمقامات المسماة بأسماء الصحابة والتابعين والصالحين والأولياء والمجاهدين، محملا المسؤولين في وزارة السياحة والآثار مسؤولية التقصير وعدم ترميمها وإبراز أهميتها.
وقال أبو تبانة إن كثيرا من المقامات شُيّدت في زمن صلاح الدين الأيوبي، وتحولت إلى مزارات وأماكن للعبادة والتسوّق، وهي بالتالي إسلامية بالدرجة الأولى وبناها خلفاء المسلمين، وما يجري حاليا هو محاولات لتزوير التاريخ.
وأضاف أبو تبانة أن محاولات التزوير موجودة وتهدف إلى شطب التاريخ الإسلامي الحقيقي لأرض فلسطين، كما يجري في مقبرة مأمن الله الإسلامية في القدس واستحداث تاريخ يهودي مكانه.
وشدد أبو تبانة على أن الاحتلال -ممثلا بالمستوطنين والمتدينين- يعزف على الوتر الديني في الصراع لإثبات حق تاريخي غير موجود، منتقدا إهمال عشرات الآلاف من المواقع الأثرية والتقصير في تبيان حقيقتها التاريخية.
المصدر: الجزيرة
المفضلات