زياد أبو غنيمة يكتب : يتنادون لحرق القرآن.. فأين حُماة القرآن؟
يتعرَّض بريدي الإلكتروني منذ فترة لقصف يكاد يكون يوميا من الرسائل الإلكترونية التي تلتقي على محاولة استفزازي وإغاظتي تتمحور حول التشكيك بالقرآن الكريم ، أكثر من رسالة تتهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بسرقة (كبُـرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) آيات القرآن الكريم من التوراة أو من شعر عرب الجاهلية وتشكك بالرواية القرآنية لحادثة الإسراء والمعراج وتزعم أن محمدا سرقها (كبُـرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) من أسطورة فارسية ، وبعضها تزعم تناقض آيات القرآن الكريم ، وبالتزامن مع هذا الوابل من طوفان الرسائل الإلكترونية التي أجزم أنها استهدفت ملايين العناوين الإلكترونية ، تتوالى الأنباء عن نشاطات محمومة في أمريكا وفي الغرب تستهدف القرآن الكريم كان آخرها وليس أخيرها دعوة أطلقها القس تيري جونز المشرف على كنيسة "دوف التبشرية" في فلوريدا لتنظيم حملة (لإحراق القرآن) ، ويقرن القس جونز دعوته بهجوم ينفث من خلاله ركاما أسودا من الحقد على الإسلام زاعما أن الإسلام ليس ديناً سماوياً وأنه دين مخادع وعنيف بل يذهب به حقده إلى الزعم أن الإسلام من نتاج الشيطان وأن المؤمنين به "سيذهبون إلى النار".
أطال الله في عمر أستاذنا الدكتور الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني الذي لا يفتأ منذ عقود يذكـًّـرنا أن معركتنا مع أعدائنا هي أولا وأخيرا "معركة القرآن" ، ويا لشدَّة حاجة المسلمين إلى تذكـُّـر هذه الحقيقة ونحن على أعتاب شهر القرآن العظيم ، الحقيقة التي ما زال يجهلها أو يتجاهلها الكثير من المسلمين ، الحقيقة التي تؤكد أنه منذ اللحظات الأولى التي بدأ فيها الروح الأمين جبريل عليه السلام يتنزَّل بهذا القرآن العظيم على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أدرك أعداء الإسلام من كفار قريش ويهود المدينة أن هذا القرآن سيكون خطرا عليهم ، فطفقوا منذ تلك اللحظة ، وما أنفكوا حتى هذه اللحظة بعد أن انضم لهم حلفاء آخرون ، يكيدون لهذا القرآن ويتآمرون عليه ، فأخذوا يتنادَوْن: (وَقَالَ الَذًينَ كـَـفَرُوا لا تَسْـمَعـُوا لًهَذَا القرآن والْغـَـوْا فًيهً لَعـَـلــَّـكـُـمْ تَـَـغـْـلـًـبون) (فصلت26).
والذين يدرسون تاريخ الأمة الإسلامية لن يصعب عليهم أن يكتشفوا ان الأسلوب الذي تفضحه هذه الآية الكريمة كان هو المحور الأساسي لكل مكيدة أو مؤامرة للكيد لهذا القرآن العظيم ، فعندما بدأ الوحي يتنزل بالقرآن الكريم نشط أعداء الدين الجديد في منع الناس من الاستماع إلى القرآن العظيم ، وتفننوا في نشر الأكاذيب والأقاويل حوله ، فقالوا ، تماما كما يقول أعداء القرآن اليوم ، إن القرآن ما هو إلا قول ساحر أو شاعر أو مجنون (ساء ما يصفون) ، وحين أدركوا أن كل تلك الأقاويل والأكاذيب ذهبت هباءً ولم تنجح في الكيد لهذا القرآن ، سلكوا سبيلا جديدا فضحه القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَإًذَا تـُـتـْـلَى علَيْـهًمْ آيَـاتـُـنا بَـيًّـناتْ قَالَ الذًينَ لاَ يَرْجُـونَ لًـقَاءنَـا ائـْـتً بًقـُـرْآن غَـيْـرً هَـذَا أَوْ بَـدًّلْهُ..) (يونس )15 ، لقد زين الشيطان لأعداء الإسلام أولئك أنهم إن استطاعوا أن يقنعوا محمدا بتبديل هذا القرآن ، فإن ذلك سيعني صحَّـة ما يدعون من أن هذا القرآن هو من صنع محمد لا من عند الله ، ولكن الله يسْـخرُ من غباء هؤلاء الكفار فيصفع وجوههم الكالحة بالحقيقة الدامغة على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : (قـُـلْ مَا يَـكونُ لًي أَنْ أبَـدًّلَهُ مًن تًـلْقَاء نَـفـْـسًي إًنْ أَتـَّـبًعُ إًلا مَا يُوحَى إًلَي) (يونس 15).
وتمضي معركة القرآن ، وهي في الحقيقة معركة الإسلام ومعركة أمة الإسلام ، تمضي عبر العصور ، وعلى مرًّ السنين وكرًّها ، وأسلوب أعداء الإسلام هو هو لم يتغير جوهره ، وإن كانت أشكاله تختلف وتتنوع ، فما أنفك هذا القرآن هدفا لسهام مكائدهم ومؤامراتهم ، تارة يُـصرًّحون بعدائهم فيقول قائلهم (غلادستون) رئيس وزراء إنجلترا في أوائل القرن العشرين المنصرم: (لن تستقرَّ لنا قدم في بلاد المسلمين ، ما بقي هذا القرآن بين أيديهم) ، وتارة يدُسـُّـون السُـمَّ بالدسم ، ويتظاهرون بالغيرة على القرآن وبالرغبة في نشره فيطبعون منه آلاف النسخ المحرَّفة ويحذفون منها الآيات التي تفضح اليهود كما يفعل اليهود منذ سنوات ويوزًّعوها بين المسلمين في إفريقيا ، وتارة يدفعون البعض ليرفعوا شعار العامية ، ويُـبشـًّـروا بالعامية وترك العربية الفصحى ، بحجة أن العامية أقرب إلى فهم العرب وأقرب إلى أسماعهم والحقيقة أنهم إنما يحاربون العربية الفصحى لأنها لغة القرآن الكريم وليس لأي سبب آخر ، وها هم أخيرا وليس آخرا يتنادون إلى حرق القرآن العظيم.
أيها المسلمون.. أذكروا وأنتم على مشارف شهر القرآن العظيم إن هذا القرآن منذ تنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وحتى هذه اللحظة يخوض معركة ضارية هي في الحقيقة معركة إسلامكم ومعركة أمتكم ، فلا تتركوا القرآن وحيدا في معركته ، ولا يظنـَّـن أحدّ أن القرآن بحاجة إلينا لننصره ، أبدا ، إن رب العزًّة الذي نزَّل هذا القرآن هو الذي تعهـَّـد بحفظه ونصره ، ولكن علينا أن نساهم في معركة القرآن وننصره في معركته ، ننصره بالكف عن هجرانه وبالعودة إليه تلاوة وتدبيرا وتخلقا بآدابه ، والتزاما بمنهجه ، وخاصة في شهره ، وينبغي أن نكون على يقين أنه مهما اشتدَّت ضراوة المؤامرة ضد هذا القرآن ، ومهما تكاثرت من حوله المكائد ، سيبقى صوت القرآن هو الأقوى ، وسيبقى صوت القرآن هو الأعلى ، وسيبقى صوت القرآن هو الأبقى ، ذلك عهد الله.. ومن أوفى بعهده من الله: (إنـَّـا نَحْنُ نَـزَّلْـنَـا الذكـْـرَ وَإًنـَّـا لَهُ لَحَافًـظُونَ).
المفضلات