۩۞۩۞۩۞ شراب أهل النار ۩۞۩۞۩۞
--------------------------------------------------------------------------------
و أما شرابهم فقال الله تعالى : { فشاربون عليه من الحميم } .
و قال تعالى : { و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } .
و قال تعالى : { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا } .
و قال تعالى : { هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج } .
و قال تعالى : { ويسقى من ماء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه } .
و قال تعالى : { و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا } .
فهذه أربعة أنواع ذكرناها من شرابهم و قد ذكرها الله في كتابه : .
النوع الأول : الحميم ـ قال عبد الله بن عيسى الخراز عن داود عن عكرمة عن ابن عباس : الحميم : الحار الذي يحرق .
و قال الحسن و السدي : الحميم : الذي قد انتهى حره .
و قال جويبر عن الضحاك : يسقى من حميم يغلي من يوم خلق الله السموات و الأرض إلى يوم يسقونه و يصب على رؤوسهم .
و قال ابن وهب عن ابن زيد : الحميم : دموع أعينهم في النار يجتمع في حياض النار فيسقونه و قال تعالى : .
{ يطوفون بينها و بين حميم آن } .
قال محمد بن كعب : حميم آن : حاضر و خالفه الجمهور فقالوا : بل المراد بالآن : ما انتهى حره .
و قال شبيب عن عكرمة عن ابن عباس : حميم آن : الذي قد انتهى غليه .
و قال سعيد بن بشير عن قتادة : قد آن طبخه منذ خلق الله السموات و الأرض و قال الله تعالى : { تسقى من عين آنية } قال مجاهد : قد بلغ حرها و حان شربها .
و عن الحسن قال : كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حره حتى لا يكون شيء أحر منه : قد آن حره فقال الله عز و جل : { من عين آنية } يقول قد أوقد الله عليها جهنم منذ خلقت و آن حرها و عنه قال : آن طبخها منذ خلق الله السموات و الأرض .
و قال السدي : انتهى حرها فليس بعده حر و قد سبق حديث أبي الدرداء في دفع الحميم إليهم بكلاليب الحديد .
النوع الثاني : الغساق ـ قال ابن عباس : الغساق : ما يسيل من بين جلد الكافر و لحمه و عنه قال : الغساق : الزمهرير البارد الذي يحرق من برده .
و عن عبد الله بن عمرو قال : الغساق : القيح الغليظ لو أن قطرة منه تهرق في المغرب لأنتنت أهل المشرق و لو أهرقت في المشرق لأنتنت أهل المغرب .
و قال مجاهد : غساق : الذي لا يستطيعون أن يذقوه من برده .
و قال عطية : هو ما يغسق من جلودهم ـ يعني يسيل من جلودهم .
و قال كعب : غساق : عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية و عقرب و غير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج و قد سقط جلده و لحمه عن العظام و يتعلق جلده و لحمه في عقبية و كعبيه و يجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه .
و قال السدي : الغساق : الذي يسيل من أعينهم من دموعهم يسقونه مع الحميم .
و روى دراج [ عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : لو أن دلوا من غساق يهرق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا ] خرجه الإمام أحمد و الترمذي و الحاكم و صححه .
و قال بلال بن سعد : لو أن دلوا من الغساق وضع على الأرض لمات من عليها و عنه قال : لو أن قطرة منه و قعت على الأرض لأنتن من فيها خرجه أبو نعيم .
و قد صرح ابن عباس في رواية عنه و مجاهد بأن الغساق ههنا هو البارد الشديد البرد و يدل عليه قوله تعالى : .
{ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا } .
فاستثنى من البرد الغساق و من الشراب الحميم .
و قد قيل : إن الغساق هو البارد المنتن و ليس بعربي و قيل : إنه عربي و إنه فعال من غسق يغسق و الغاسق : الليل و سمي غاسقا لبرده .
النوع الثالث : الصديد : ـ قال مجاهد في قوله تعالى : .
{ و يسقى من ماء صديد } .
قال : يعني القيح و الدم و قال قتادة : { و يسقى من ماء صديد } قال : ما يسيل من بين لحمه و جلده قال : { يتجرعه و لا يكاد يسيغه } قال قتادة : هل لكم بهذا يدان أم لكم على أن هذا صبر ؟ طاعة الله أهون عليكم ـ يا قوم ـ فأطيعوا الله و رسوله .
و خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في قوله : .
{ ويسقى من ماء صديد * يتجرعه } .
و قال : يقرب إلى فيه فيكرعه فإذا أدني منه شوى وجهه و وقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله تعالى : .
{ و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } .
و قال : { و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب } ] .
و روى أبو يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال : في جهنم أودية من قيح تكتاز ثم تصب في فيه .
و في صحيح مسلم [ عن جابر عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : إن على الله عهدا لمن شرب المسكرات ليسقيه من طينة الخبال قالوا : يا رسول الله ! و ما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار ] .
و خرج الإمام أحمد و النسائي و ابن ماجه و ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم نحوه إلا أنه ذكر ذلك في المرة الرابعة و في بعض الروايات من عين الخبال .
و خرج الترمذي [ من حديث عبد الله بن عمر نحوه عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : من نهر الخبال ] قيل : يا أبا عبد الرحمن ما نهر الخبال ؟ قال : نهر من صديد أهل النار و قال : حديث حسن .
و خرج أبو داود [ من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم نحوه و قال : من طينة الخبال قيل : يا رسول الله ما طينة الخبال ؟ قال : صديد أهل النار ] و في رواية أخرى [ قال : ما يخرج من زهومة أهل النار و صديدهم ] و خرج الإمام أحمد بمعناه أيضا من حديث أبي ذر و أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم .
و خرج الإمام أحمد و ابن حبان في صحيحه [ من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : من مات و هو مدمن خمر سقاه الله من نهر الغوطة قيل و ما نهر الغوطة ؟ قال : نهر يخرج من فروج المومسات يؤذي أهل النار نتن فروجهم ] .
و قد سبق حديث عمرو بن شعيب [ عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في المتكبرين و فيه : يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال ] .
النوع الرابع : الماء الذي كالمهل : خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في قوله : كالمهل قال : كعكر الزيت فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه ] .
قال عطية : سئل ابن عباس عن قوله : { كالمهل } قال : غليظ كدردي الزيت قال علي بن أبي طالب عن ابن عباس : أسود كمهل الزيت و كذا قال سعيد بن جبير و غيره .
قال الضحاك : أذاب ابن مسعود من بيت المال ثم أرسل إلى أهل المسجد فقال : من أحب أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا .
و قال مجاهد : بماء كالمهل : مثل القيح و الدم أسود كعكر الزيت .
و خرج الطبراني [ من طريق تمام بن نجيح عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : لو أن غربا جعل من حميم جهنم و جعل وسط الأرض لآذى نتن ريحه و شدة حره ما بين المشرق و المغرب ] .
و في موعظة الأوزاعي للمنصور [ قال : بلغني أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه و آله وسلم : لو أن ذنوبا من شراب جهنم صب في ماء الأرض جميعا لقتل من ذاقه ] .
خرج بعض المتقدمين فمر بكروم بقرية يقال لها : طيز ناباد و كأنه كان يعصر فيها الخمر فأنشد يقول : .
( بطيز ناباد كرم ما مررت به ... إلا تعجبت ممن يشرب الماء ) .
فهتف به هاتف يقول : .
( و في جهنم ماء ما تجرعه ... حلق فأبقى له في البطن أمعاء )
ابن رجب
المفضلات