كـتّـــــــاب
المشاهدة أم الاستماع
أنا أحبّ الستّ، اقصد (أم كلثوم)..
في كل الأغاني التي قدمتها، لم يتغيّر شكل (الفستان) أبداً ولا حتى الكعكة التي (تكعبلها) خلف رأسها، ولا حتى المنديل الذي تحمله في يدها.
أتذكر أنها حين كانت ترفع صوتها في أحد المقاطع «تهزُّ» كتفيها قليلاً.. وخصوصاً حين يصل اللحن إلى الذروة، مثل: «حبّ ايه اللي انت جاي تئول عليه».. «تهزّ» و»تهدّر» تماماً مثل هدير الدبابة.
وقيل لنا في الطفولة إن (المايكرفون) كان يتم إبعاده نصف متر عن فمها.. كون طبقات الصوت هائلة وإذا تم تقريبه سيؤدي ذلك إلى تحطيمه.. وقيل لنا أيضاً أن الست لو غنّت حتى بدون (المايك) فسيصل صوتها في القاعة كلها.
كان يعجبني فستانها، فهو من الأكتاف «كشكش»... ومن أسفل كان واسعاً يدل على حشمتها ووقارها والأهم من كل ذلك، أنها لم تكن تتحرك أبداً تبقى واقفة بوقار وتغني، بعكس (إليسا) مثلاً، فهي حين تغني تشعر انها تلعب «جمباز»...
ولكن الذي كان يحيّرني هو الأغاني التي تقدمها وتتناقض مع الشكل والوقار تماماً، ففي أغنية «سيرة الحبّ» تقول أم كلثوم: «وآبلتك انت لئيتك بتغير كل حياتي معرفش ازاي حبيتك»... كان هذا المقطع يثير الأسئلة في ذهني، من يعشق أم كلثوم؟.... سيدة بهذا الحجم من الوقار والحشمة.. هل حقيقة تحبّ... نانسي عجرم حين تغني: «ياي سحر عيونوا ونظراتو اول ما تئابلنا عين بعين»... يتطابق فحوى الأغنية مع سلوكها فمن الممكن ان تعشق سحر العيون والنظرات ولكن أم كلثوم.. تشعر انها كتلة من الصخر، تشعر عظمتها.. ولهذا تصل إلى نتيجة أن «الست» لا أحد يغيّر في قلبها.. ولكنه مجرد كلام كتب كي تؤديه.
أم كلثوم من الجميل أن تسمعها ولكن أن لا تشاهدها، غناؤها يسحرك ولكن شكلها يشبه شكل «أم حلمي»... بالمقابل نانسي عجرم من الجميل أن تشاهدها وتستمتع برقصها وأدائها وطريقة لباسها.. ووجهها ولكن الاستماع لها، أمر لا يضيف لحاستك الطربية شيئاً.
المشاهدة عند نانسي، تمنحك الشعور بلذة المشهد.. بالمقابل الاستماع عند «الست» يعطيك (نشوة) الطرب.
عبد الهادي راجي المجالي
المفضلات