الخلافات الزوجية وآثارها على الأبناء
لا تكاد أسرة تخلو من مشاحنات أو خلافات بين الزوجين، وهو أمر طبيعي إن كان في حدود المعقول، لكن الإشكال يكمن في أن البعض قد لا يحسن التعبير عن ذلك بروية وتفاهم، وكثير من الأزواج يلجؤون في حالة وجود خلاف ما في أسرتهم إلى ضرب الزوجة أو الصراخ وتوزيع الشتائم بالجملة، أو فرد العضلات بتكسير الأواني وقطع الأثاث وغيرها من الأساليب غير الحضارية، ما يعود بتأثير سلبي على أفراد الأسرة الذين يشهدون ما يجري.
المحامي الشرعي ومدير مركز الوفاق الأسري لتدريب الكوادر البشرية، الدكتور فتحي طعامنة أشار في حديث خص به «السبيل» إلى أهمية الحوار الهادئ في حل الخلافات الزوجية أمام الأطفال، لما له من أثر نفسي رائع، يشعرهم بالأمان والطمأنينة داخل الأسرة، فكما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا أراد بآل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق» أو كما قال عليه السلام.
وأضاف: «هناك من يعتقد أن الطفل الصغير لا يدرك ما يدور حوله، ولا يحتفظ به، إلا أن علماء التربية أثبتوا أن الفترة ما بين يوم وست سنوات من عمر الطفل، هي الفترة التي ترتسم فيها ملامح شخصيته، ويخزن كل ما يدور حوله خلالها، لذا يجب تجنيب الأطفال الخلافات وعدم إطلاعهم عليها قدر الاستطاعة».
وتابع الطعامنة قائلا: «وكم هو سيئ تصرف بعض الآباء عندما يجعلون الأطفال «يتحزبون» لأحد أطراف الخلاف دون الآخر، كتحريض الأب - أو الأم- أطفاله على الآخر، وإطلاعهم على سلبياته، ما ينشئ سلوكيات غير سوية لدى الأطفال، كالعدوانية، وعدم الاطمئنان لأحد الأبوين، والكره والحقد، وقد يستمر معه هذا السلوك حتى بعد أن يصبح شابا.
وحول الانعكاسات النفسية والإجتماعية، فإن الخلاف بين الزوجين أمام الأطفال بما يحمل من جدال وصخب، يؤدي لاكتساب الأطفال سلوكا عدوانيا، وقد يتطور ذلك مع الطفل ليستمر معه حتى بعد أن يصبح زوجاً (أو زوجة).
واستطرد الطعامنة قائلا: «إن من الآثار السلبية للخلافات الزوجية، عدم ثقة الطفل بنفسه، وضعف شخصيته، وانطوائيته أحياناً، وفي المقابل فإن تفاهم الزوجين ينعكس إيجابيا على شخصية أطفالهما في المستقبل، ويعتادون على ذلك، فيتخذونه منهجاً في حياتهم الزوجية المقبلة».
ليس أمراً صعباً أن يكون حوارنا خاليا بناء ينتحي مناحي حضاريةً بعيداً عن السخرية والإهانة والعناد، لمن يلتزم بالهدي النبوي الذي أوصى بتجنب الغضب، بقوله لمن طلب منه الوصية: «لا تغضب، لا تغضب..» وكررها مرارا عليه الصلاة والسلام، وقال عليه السلام: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». وهذا أمر يمكن ترويض النفس عليه.
وختم الدكتور فتحي الطعامنة، بأنه حري بكل إنسان يريد أن يؤسس أسرة متينة البنية، أن لا تقتصر ثقافته على الطرق التقليدية المتبعة، كالاسترشاد بنصائح الآباء، واتباع الحكم التي تداولها الناس عبر القرون والأزمان، بل من الواجب عمل المرء على تثقيف نفسه من خلال الالتحاق بمراكز التدريب والتأهيل الأسري، أو القراءة الحثيثة في الكتب والمطبوعات المختصة في هذا المجال، وإفراغ مساحة من وقته لمتابعة البرامج الأسرية الهادفة والاستفادة من وسائل الإعلام بشتى الطرق.
قد تكون سبب انحراف الأطفال مستقبلاً:
ترى رنين عابد، أن الخلافات الزوجية أمام الأبناء، بما تحمل من عنف وأذى وقلة خبرة في إدارتها والتعامل معها، قد تحمل الأطفال لقضاء وقت أكبر خارج البيت، واللجوء لرفاق السوء خاصة في سن المراهقة، ما يكون سبباً لانجرارهم نحو الانحراف والوقوع في براثن الخطأ ما يقضي على مستقبلهم، كما قد يكون سبباً في تعيير أقرانه به والمطلعين على حال هذه الأسرة المتفككة.
لن أنسى!
عبد الرحيم محمود يتذكر ذلك اليوم الذي طرد والده فيه والدته ليلاَ، غير آبه بقرصات البرد، وتركها طوال الليل أمام الباب ترجو منه أن يدخلها ويأبى، رغم مرور عشرين سنة على هذه الحادثة، إلا أنه يتذكرها إلى الآن، وكأنها حدثت أمامه اللحظة، والكثير من الخلافات التي ما زالت حية في ذاكرته جعلته -كما يقول- منطوياً عن عائلته، وفي بعض الأحيان ينتابه شعور بالكره لبعضهم، بسبب ما أذاقوه من طفولة قاسية حسب وصفه.
لا للخلاف أمام ابنائي:
رندا تقول: «اعتدت أنا وزوجي أن نناقش خلافاتنا خارج أسوار المنزل، وذلك كل نهاية شهر عندما نخرج وحدنا، ونترك أطفالنا عند جدتهم، حتى إن عرض أمر ما يستوجب النظر به، فإننا نناقشه في خلوة بعيداَ عن مسامع الأطفال».
وتضيف: «صحيح أنه أحيانا لا يضبط الإنسان نفسه في بعض المواقف التي تثير العصبية، إلا أننا بحمد الله نعمل على تجاوزها، وتلطيف الجو وإبداء الفرح والترابط والسعادة أمامهم، وإن لم نكن قد اصطلحنا فعلا، وقد تذهب المسألة بهذا التلطيف فعلا ولا نحتاج للخوض فيها أو مراجعتها.. أعتقد أنني نجحت في عزل أطفالي عن الخوض في متاهات خلافاتنا الزوجية».
المفضلات