*** عبدالله الثاني... وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ...... !!! ***
GMT 3:45:00 2008 الأحد 9 مارس
الرأي العام الكويتية
خيرالله خيرالله
عندما تحصل عملية مثل عملية القدس الأخيرة التي استهدفت معهداً دينياً يهودياً في المدينة المقدسة، يتبين كم أن الشرق الأوسط في حاجة إلى كسر حلقة العنف. إنها الحلقة التي يعاني منها الشرق الأوسط منذ ما يزيد على ستة عقود. إنها الحلقة التي يحاول ملك شاب هو عبدالله الثاني الانتهاء منها، داعياً الولايات المتحدة إلى لعب الدور الذي يفترض بها أن تلعبه. هناك بكل بساطة في المنطقة من يجد مصلحته في التصعيد من جهة، وهناك من يحض على الانتقال إلى مرحلة جديدة، انطلاقاً من تسوية تعتمد أساساً على «حل للنزاع» الفلسطيني - الإسرائيلي من جهة أخرى. المواجهة مستمرة بين الخير والشر، بين ثقافة الحياة وثقافة الموت بكل بساطة!
في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة التي تخللها لقاء مع الرئيس بوش الإبن، سعى العاهل الأردني مرة أخرى إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه. شدد غير مرة في خطاب ألقاه في كلية وودرو ولسون للشؤون العامة والدولية (جامعة برنستون) على أهمية البحث عن تسوية إذ قال: «قبل عام وأمام الكونغرس الأميركي، حضّيت أميركا على أن تأخذ على نفسها التزاماً كاملاً بقيادة المسيرة إلى أمام. وقلت يومها ما أكرره اليوم هنا... إن مصدر الانقسام العالمي والاستياء والإحباط في منطقتنا وما وراءها هو إنكار العدالة والسلام في فلسطين. إن بداية الشراكة الاستراتيجية الطويلة المدى بين العالم العربي والولايات المتحدة يجب أن تنطلق من حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني». وشدد أيضاً على أن الوقت «ينفد». وجاءت أحداث الأيام الأخيرة لتؤكد أن الوقت ينفد، وأن الحاجة كبيرة إلى تحرك سريع لمواجهة المتطرفين من عرب وغير عرب وإسرائيليين. كان تحذير عبدالله الثاني في غاية الوضوح. كان كمن يقرأ من كتاب مفتوح لا أسرار فيه، بل يحوي كل أنواع المخاطر التي تبدو محدقة بالمنطقة. ولذلك لم يتردد في القول: «إن الفرقة والشقاق والكراهية جرفت معها التفاهم والوفاق. وقد غدت سلاحاً في يد أعداء الإنسانية الذين هاجموا مركز التجارة العالمي (في نيويورك) والذين يعملون على شق أوروبا المتعددة الثقافات والذين يسعون إلى تمزيق منطقتي إرباً». نعم هناك مخاوف من حلف المتطرفين الذي يسعى إلى تمزيق الشرق الأوسط. ولذلك لا بد من البحث عن نقطة انطلاق لمواجهة التطرف. نقطة الانطلاق هذه هي بكل بساطة القضية الفلسطينية، نظراً إلى أنه «من الصعب أن نبالغ في الحديث عن مقدار المخاطر، سواء بالنسبة إلى الأميركيين أو العرب أو الإسرائيليين أو حتى العالم كله»، في حال بقاء القضية من دون حل أو تسوية معقولة.
هل فات أوان الكلام المعتدل الذي ينم عن رغبة في تفادي «كارثة كبيرة» تتسبب بها منطقة «يترعرع فيها كل يوم طفل والأحباط والكراهية في عينيه»، على حد تعبير العاهل الأردني.
ما يبدو مخيفاً في أيامنا هذه أنه ليس هناك من على استعداد لسماع كلمة الاعتدال والسعي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه سوى قلة لا تزال تؤمن بأن في الإمكان عمل شيء. هذه القلة تنادي بإنهاء ستين عاماً من النزاع والعنف والاحتلال وبوطن للفلسطينيين يوفر لهم الأمل والاحترام ويؤمن لهم مستقبلاً أفضل. كذلك تنادي هذه القلة بالأمن لإسرائيل والقبول بها متى تخلت عن الرغبة في تكريس الاحتلال. وتنادي أيضاً بقيام منطقة تدخل في شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة والشعوب العربية والإسلامية وتعمل على تغيير المشهد الاستراتيجي وخلق آفاق جديدة للتقدم والسلام.
تأخرت الأدارة الأميركية في التدخل بفعالية لإخراج الشرق الأوسط من النفق المظلم الذي دخله والمتمثل في لعبة التصعيد المتبادلة التي انتقلت من غزة إلى القدس والمرشحة للانتقال إلى مناطق أخرى في فلسطين وخارجها.
قام عبدالله الثاني قبل سنة بمحاولة أولى عبر خطابه أمام الكونغرس للتنبيه إلى مخاطر استمرار النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، داعياً إلى الانطلاق من حل للنزاع كمقدّمة لمواجهة المشاكل الأخرى التي يعاني منها الشرق الأوسط. لم تكن الاستجابة الأميركية كافية. انعقد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر - تشرين الثاني الماضي. جاء متأخراً ودون الطموحات. الآن يكرر العاهل الأردني نداءه. الوقت يمر بسرعة والأحداث تتسارع. كان النداء الجديد واجباً عليه. كان عليه أن يفعل ذلك، كي لا يُقال ان أحداً لم ينبه العالم عموماً، والأميركيين تحديداً، إلى أن المنطقة على كف عفريت، وأنه ليس معروفاً أين هي نقطة البداية. نقطة البداية واضحة، عندما يكون هناك من يريد أن يسمع... هل من يريد أن يسمع في الشرق الأوسط وخارجه، خصوصاً في واشنطن؟ هل من يريد التجاوب مع صوت الاعتدال والتصدي للتطرف بالسياسة وليس بمزيد من العنف من منطلق أن العنف لا يولد سوى العنف، وأنه آن أوان كسر الحلقة المغلقة... وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
المصدر
ايلاف
السياسة
المفضلات