الصلاة
محمد بشير الوظائفي - عزيزي القارئ الكريم.. لو تمعّنا بالآيتين الكريمتين التاليتين:
}يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون{, و}فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم لنعم المولى ونعم النصير{.
لو تمعّنا جيداً بهاتين الآيتين لأدركنا كم أولى الله عز وجل من الأهمية لفريضة الصلاة، بل إن القرآن الكريم يزخر بعشرات الوصايا في ضرورة المحافظة على الصلوات الخمس وأهمية أدائها في أوقاتها المحددة.
ولو تصفحّنا كتب السيرة النبوية لأدركنا كم كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجهد في الدعوة إلى المواظبة على الصلاة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته)، فالرسول صلى الله عليه وسلم يشبّـه من يُنقص من صلاته اليومية المفروضة.. بالسارق ! والسارق بشكل عام لا يؤذي نفسه بممارسته الخاطئة، بل يضر أفراد أسرته ومجتمعه أيضا، وهذا هو حال من يهمل الالتزام بأمر الله عز وجل، بل إن الخطأ في طريقة الأداء مرفوض أيضاً؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى العبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده) ففي هذا القول الحكيم إشارة واضحة إلى أهمية الأداء الصحيح لحركات العبادة أثناء الصلاة.
وفي دوام الصلاة... دوام الصلة الوثيقة بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى، ولأن في الصلاة ممارسة رياضية يومية ذات طعم خاص تحفظ للإنسان العاقل لياقة البدن وصفاء الذهن.
الصلاة إذن رياضة الإيمان، ودواء من أدوية الرحمن، ارتضاها الخالق سبحانه وصاغها لعباده حباً بهم ورحمة. فالصلاة ركن أساسي من أركان الشفاء، من أقامها تعافى، ومن أهملها أصبح فريسة لشتى الأمراض.
وحضارة اليوم تفخر بممارسة الألعاب السويدية وجلسات اليوغا وخلوات التأمل ورياضة الإيقاع وعشرات من أمثال هذه النشاطات. وحضارة اليوم تنصح بهذه النشاطات لمن هَدّتْ أعصابه عوامل التوتر والقلق، وتنصح بالتأمل لمن يريد الاسترخاء... وغاب عن مجتمعنا العربي قبل مجتمعات الغرب أن أداء الصلاة يومياً بخشوع وإيمان فيه كل الخير، وفيه الوقاية من الأمراض، وفيه الشفاء، وفيه الطمأنينة والهدوء، وفيه الفرح والسرور، وفيه زوال الهمّ والغمّ...!!
وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه حينما تقترب أوقات الصلاة: (أرحنا بالصلاة يا بلال)، فالصلاة رياضة مريحة للأعصاب، تساعد الإنسان المؤمن على الخلوة مع نفسه، يناجي الله سبحانه، ويشكو له همومه ومتاعبه اليومية، ويطلب منه العون والقوة. ومن هذه الخلوة وهذا التأمل أثناء الصلاة، ومن المصارحة بين العبد وخالقه؛ تتولد عناصر الاسترخاء والطمأنينة والأمان، لذلك يشعر الإنسان بعد الصلاة براحة نفسية عجيبة، وهذا يفسر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (جُعلت قرة عيني في الصلاة)، وتؤكد قصص السيرة النبوية بالفعل أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبه أمر.. صلّى!
أثناء أداء رياضة الإيمان يقف الإنسان أمام ربه خاشعاً يتضرع بين يديه سبحانه، يقف بجسمه الضعيف أمام الخالق المتحكم في السموات والأرض وكل ما في الوجود، ومن بيده القضاء والقدر والحياة والموت والأرزاق، هذا الوقوف بين يدي الخالق يمــدّ الإنسان المؤمن بطاقة روحية تؤدي إلى صفاء الروح واطمئنان القلب وهدوء النفس. هذا الخشوع والشعور بالارتياح بعيداً عن هموم الدنيا ومشاكلها ولو لدقائق معدودات من شأنه أن ينمي في الإنسان بذور الاسترخاء المتكامل، وبها يتوقى الإنسان موجات القلق اليومي فيرتاح العقل وينشط الذهن.
رياضة الإيمان إذن وقاية وعلاج لحالات القلق والحزن والهم والكآبة التي طالما تهاجم أبناء هذا العصر. وكلنا يدرك ما لمصارحة الإنسان أحد أفراد أسرته أو أحد زملائه بهمومه ومتاعبه من فائدة ومردود علاجي جيد يخفّف من حدة الضغط المكبوت... فكيف يكون الحال إذا ما اشتكى الإنسان همومه إلى خالقه؟ خالقه القادر على كل شيء، فما أحلى المصارحة، مصارحة الرحمن، وما أجمل أن يطلب المؤمن العون والمساعدة من خالقه.. ما أحلى أن يجيب الرحمن عباده المتوجهين إليه قائلاً: }يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).. تأكيد من مالك الكون لخلقه أنه معهم وما عليهم سوى المداومة على الصلاة والصبر. ففي المداومة على الصلاة بناء مستمر لعزيمة الإنسان، وفيتامين نفساني يديم للإنسان أمله في تحقيق ما يرجو إن كان الله قد شاء لهذا الرجاء أن يتحقق.
ويجرّنا الحديث إلى مرحلة مهمة أخرى في بناء نفس المؤمن. فهو عندما يرجو الله أمراً؛ عليه أن يصبر، وأن يعمل من أجل أن ينجح رجاؤه، وعليه الإيمان إن لم ينجح رجاؤه بأن ذلك من قدر الله ومشيئته، فمشيئة الله فوق كل شيء، وهكذا لن تضطرب نفس المؤمن بما قد يحصل في المستقبل وما عليه سوى الاجتهاد.
هذا عن فوائد الصلاة في حفظ صحة الإنسان النفسانية، وأما عن فوائد الصلاة في حفظ صحة البدن ووقاية الإنسان من الأمراض؛ فقد قال تعالى: }إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) أي إن لكل صلاة وقتاً ينبغي أن تقام فيه. وهذه حكمة إلهية عظيمة سبقت ما أدركه علماء اليوم من ميزة الممارسات الرياضية بشكل يومي، بعيداً عن إجهاد البدن، وهذا جل ما تتمتع به حركات الصلاة من مزايا. فعدد الحركات المتكررة المفروضة التي يؤديها الإنسان خلال يوم كامل تبلغ سبع عشرة ركعة ومع ركعات السنن تبلغ ستاً وثلاثين ركعة يومية مقسمة على خمسة أوقات أثناء ساعات النهار وبعض من ساعات الليل.
ست وثلاثون ركعة أو حركة متكاملة قوامها الركوع والسجود تؤمّن لمفاصل الجسم كافة صغيرها وكبيرها حركة انسيابية سهلة من دون إجهاد، وتؤمّن معها إدامة أدائها السليم مع بناء قدرتها على تحمّل الضغوط العضلية اليومية.
وحركات الإيمان والعبادة تديم للعضلات مرونتها وصحة نسيجها، تشد عضلات الظهر والبطن فتقي الإنسان من الإصابة بتوسع البطن أو تصلب الظهر وتقوّسه.
وفي رياضة الإيمان إدامة للأوعية الدموية المغذية لنسيج الدماغ مما يمكنه من إنجاز وظائفه بشكل متكامل عندما يبلغ الإنسان سن الشيخوخة.
والصلاة - أعزاءنا القراء - تساعد الإنسان على التأقلم مع الحركات الفجائية التي قد يتعرض لها كما يحدث عندما يقف فجأة بعد جلوس طويل مما يؤدي في بعض الأحيان إلى انخفاض الضغط وأحيانا إلى الإغماء. فالمداومون على الصلاة قلّما يشتكون من هذه الحالة ومن نوبات الغثيان أو الدوار.
وفي الصلاة حفظ لصحة القلب والأوعية الدموية، فهي تُبعد عن الإنسان مخاطر الإصابة بنوبات الذبحة الصدرية التي زادت نسبتها واستعرت في بلاد الغرب حيث يربط الأطباء بينها وبين ما يتعرض إليه إنسان العصر الحديث من عوامل التوتر والإجهاد اليومي.
وفي الصلاة حفظ لصحة الرئتين إذ إن حركات الإيمان أثناء الصلاة تفرض على المصلي اتباع نمط فريد أثناء عملية التنفس، مما يساعد على إدامة زخم الأوكسجين ووفرته في الرئتين.. وبهذا تتحقق للإنسان مناعة وصحة أفضل.
إن الصلاة عمادٌ من عمد حفظ الصحة، فلا غرابة إذن في أن يؤكد الرحمن على ضرورة الحرص على أدائها.. ولا غرابة في أن يشدد الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين بضرورة الالتزام بها.. إنها صلة الإنسان بربه صلة يومية، وطلب عون يومي، وهي إدامة يومية لأبداننا ولنفوسنا.
الصلاة دواء واق وشاف، وما علينا سوى الرجوع إلى قول الله عز وجل: }وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ{.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اريج حمدان
المفضلات