مقالات
ايلول.. الاجندة المزدحمة والهوامش المفتوحة!
كلهم, يتحدثون عن شهر ايلول الوشيك, وكأن هذا الشهر, الذي هو بداية الخريف وقالت عنه العرب أنه «ذيله» مبلول, سيشكل فاصلاً بين مرحلتين في قضايا عديدة ومتشابكة..
لنبدأ من ايلول الاسرائيلي, إذ ثمة يوم «26» منه وهو الموعد الذي سينتهي فيه قرار تجميد الاستيطان, الذي كان اعلنه بنيامين نتنياهو آواخر العام الماضي, في محاولة مكشوفة منه أو قل في تواطؤ واضح مع ادارة اوباما, للتهرب من الشرط الذي كان اعلنه الرئيس الاميركي قبل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين, وهو التجميد «الكامل» للاستيطان في الضفة الغربية والقدس.. ولما كان اوباما قد «كوّع» وتخلى عن ممارسة الضغط على اسرائيل, في وجه حملة «سياسية واعلامية يهودية ومتصهينة, وخرج على الناس بتبرير متهافت يقول فيه «انه لم يكن يتوقع أن يكون الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على هذه الدرجة من... التعقيد»..
المهم..
في ذلك اليوم, سيعلن نتنياهو ما اذا سيواصل «التجميد» (هل كان ثمة تجميد اصلاً؟), أم أنه سيعطي الضوء الاخضر لتكثيف الاستيطان وتكريس الحقائق على الارض, مستغلاً انخراط الادارة الاميركية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وايضا «مرتاحاً» لان المفاوضات «المباشرة» مع السلطة الفلسطينية, ستكون قد بدأت او هي على وشك البدء، وهو ما يمكن قراءته في التصريحات التي أدلى بها نتنياهو واوباما بعد لقائهما يوم اول من امس, وخصوصاً قول اوباما: إن واشنطن لن تطلب من اسرائيل «مطلقاً» القيام بأمور قد تهدد أمنها القومي. والاستيطان كما هو معروف «ذخر» الأمن الاسرائيلي والعمود الفقري للاساطير الصهيونية المؤسسة لهذا الكيان الاستعماري الإحلالي..
المؤشرات تشي بان البناء الاستيطاني سيتواصل وليس ثمة خشية لدى نتنياهو من انفراط عقد ائتلافه الحاكم، لان مصير افيغدور ليبرمان السياسي سيكون قد تحدد (في ايلول بالطبع) لان المستشار القانوني للحكومة سيكون قد حسم مسألة توجيه لائحة اتهام له ام لا في ضوء الاتهامات الجنائية بالتزوير والاختلاس التي ما يزال التحقيق فيها جارياً.
وفي ايلول دائماً، سيكون المشهد الاقليمي على «أبهى» درجات الوضوح لان المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان سيكون قد نشر التقرير الظني في شأن اغتيال رفيق الحريري، حيث تواصل جهات معروفة، لبنانية واسرائيلية واميركية واوروبية, التسريب بأنه سيطال افراداً وقيادات وكوادر في حزب الله, ما سيقلب الأمور الراهنة رأسا على عقب ويُبقي على كل الخيارات والاحتمالات مفتوحة، وهو امر تعول عليه اسرائيل كثيرا، كذلك واشنطن وباريس وخصوصا ما تبقى من قوى 14 اذار التي تراهن على اختلال وربما انقلاب المعادلات والتحالفات التي نشأت بعد تشكيل حكومة سعد الدين الحريري التي توصف بحكومة التوافق الوطني والتي ترشح انباء (من اوساط 14 اذار ايضاً) تفيد بان تعديلاً وزارياً سيكون واجباً بل ضرورياً بعد أن حالت الصيغة الراهنة دون تحقيق أي انجاز يذكر, ولهذا توقع رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي غابي اشكنازي ان يشهد لبنان صراعاً وتوتراً على خلفية النشر المزمع لتقرير المحكمة الخاصة بلبنان في ايلول الوشيك..
هو ايلول دائماً..
ثمة ايلول ايراني ايضاً, ونحن هنا لا نتحدث عن احتمال إقدام حكومة نتنياهو على توجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الايرانية بقرار منفرد أو بضوء أخضر اميركياً, بل عن ما اعلنه الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية يوم أمس, من استعداد واشنطن لحوار عرضته طهران في ايلول, لاستئناف المفاوضات مع مجموعة (5 + 1) التي تتولى ادارة هذا الحوار غير المثمر حتى الان, وهو حوار مرهون بالتطورات الاقليمية والدولية التي ستحدث قبل ذلك الموعد.
ثمة من يتحدث ايضاً عن ايلول فلسطيني (وربما قبله) سيكون على شكل تعديل وزاري على حكومة سلام فياض الانتقالية, بعد أن رشح رفض فياض شرطاً قيل ان محمود عباس وضعه أمام فياض مقابل موافقته (عباس) على التعديل وهو تخلي فياض عن حقيبة المالية, لكن رئيس الحكومة الفلسطينية الذي وصفه شمعون بيرس بأنه «بن غوريون» الفلسطيني, رفض مقترحاً لهذا مهدداً بالاستقالة من رئاسة الحكومة فرضخ عباس وقيل أن الاميركان دخلوا على الخط وكان لفياض ما اراد..
اربع محطات ايلولية لافتة باستحقاقاتها واحتمالاتها, وهي التي ستقرر ما اذا كان الخريف المقبل سيكون ساخناً أم هادئاً, دون أن نهمل الاحتمالات المفتوحة لانفجارات عربية داخلية, يلحظ المرء احتقاناتها وارهاصاتها في اكثر من بلد عربي..
... لا بد من الانتظار..
محمد خرّوب
المفضلات