كان الجيل الأول من هذه الأمة عجيباً.
بشـرٌ هـم ...
لكنهم تساموا بأخلاق مذهلة فوق البشـر،
وخطوا سيرة من أعظم السـير.
الخلاف الذي صار
بين الإمام علي، وأمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان،
خاض فيه كثيرون.. فضلَّ من ضل، ونجا من نجا
ما لفت نظري في هذه القصة، التي قرأتها أكثر من مرة
و(بكيت) مع أبطالها عددُ ذلك
أنها قصة تكذب الذين (يتسولون) من مواقف الكبار،
مكاناً لهم في التاريخ.
لم يكن معاوية مجبراً أن يسمع في مجلس حكمه،
مديحاً وثناءً على (خصمه) السياسي،
وكان بوسـع ضراراً
أن يورٍي، ولا يفصح عن مشاعره الحقيقية،
في حق رجل صحبه وأحبه..
في مجلس خصمه، الذي قد يؤذيه..!
لكنها أخلاق الرجال الكبار.
رضي الله عن العملاق الكبير الإمام علي..
الذي كلما أبصرت واقع حكام العرب الآن،
وشعرت بالذل والمرارة.. تذكرته،
وهطل على ذاكرتي مثل الغيث.. خياله،
و خيال سيدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
مثالان جميلان، للقوة، والعدل، والكرامة،
في زمن القبح، والتبعية، والاستخذاء.
رضي الله عن أمير المؤمنين معاوية،
الحاكم العربي المسلم الحكيم الذي صنع تاريخاً مجيداً،
وكان مثالاً للحكمة والدهاء والسياسة..
فبنى أمة، وأسس دولة كانت منطلقاً لحضارة،
مازالت البشرية..
في بعض طرقاتها المظلمة تتلمس سناها الأول.
رحم الله ضـراراً الكناني ..
الذي كان شجاعاً في الحق شجاعاً في الحب.
إليكـم القـصة ..
طلب معاوية بن أبي سفيان
، من ضرار بن ضَمُرة الكناني،
أن يصف له علي ابن أبي طالب.. وكان من أصحابه.
فقال : أعفني يا أمير المؤمنين..
مخافة الخصومة السياسية بينهما..رضي الله عنهم جميعاً.
قال معاوية : لا.. لتصَفنًه.
قال ضرار :” أما إذا ولا بد، فقد كان والله بعيد المدى،
شديد القوى. يقول فصلاً، ويحكم عدلاً.
يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه.
يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته.
كان والله غزير الدمعة، كثير الفكرة..
يقلب كفه ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن،
ومن الطعام ما جشب. كان فينا كأحدنا..يجيبنا إذا سألناه،
ويبتدئنا إذا جئناه، ويأتينا إذا دعوناه..
ونحن والله مع قربه منا، ودنوه إلينا، لا نكلمه هيبة له،
ولا نبتديه لعظمته، ويتبسـم..عن مثل اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين، ويحب المساكين.
لا يطمع القوي منه في باطل، ولا ييأس الضعيف من عدله.
أشهد بالله لقد رأيته مرة، وقد أرخى الليل سدوله،
وغارت نجومه..وقد مثل قائماً في محرابه،
قابضاً على لحيته. يتململ تململ المحموم،
ويبكي بكاء الحزين.. وكأني أسمعه الآن وهو يقول :
:: يا دنيا غري غيري. أليَّ تعرضتِ.. أم إليَّ تشوفتِ..؟
هيهات..هيهات، قد أبنتك ثلاثاً..لا رجعة لي فيك،
فعمركِ قصير، وعيشكِ حقير، وخطركِ كبير.
آه ثم آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق ::
وهنا ذرفت دموع معاوية، حتى بللت لحيته،
وصارت تنحدر فما يملكها..وهو ينشفها بكم ثوبه..
واختنق القوم بالبكاء..فارتفع نشيجهم،
فقال معاوية : رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك.
فكيف حزنك عليه يا ضرار..؟
قال ضرار : حزن من ذبح ولدها في حجرها..
فلا ترقأ لها عبرة، ولا يسكن لها حزن.
وأنا والله حزني عليكَ يا أمير المؤمنين علي..
وعلى (أوجاع) أخرى، مثل ذلك.
فرضي الله عنكَ وأرضاكَ..
رحمهم الله جميعاً..
اللهم لا تفتنا بعدهم، واجمعنا بهم،
ومع أحبابنا الذين سبقوا..
فإن الشوق ينهش في الفؤاد
والحمد لله
والصلاة والسلام عليك ياحبيبي يارسول الله
المفضلات