من الأمور التي لا يجادل عاقل فيها ، أن معرفة العدو معرفة حقيقية تشمل إمكاناته المادية والمعنوية ، وأهدافه ودوافعه ، والوسائل التي يستخدمها ، هي أول الطريق لتحقيق النصر عليه . وما لم تتحقق هذه المعرفة فسيبقى العدو منتصراً يفرض شروطه ، ويسير نحو تحقيق غاياته وأهدافه .
في عام 1934 م طبع كتاب بمصر بعنوان " يقظة العالم اليهودي " من تأليف اليهودي ( إيلي ليفي أبو عسل ) يحدد فيه تاريخ الحركة الصهيونية بما يلي : ـ ( إذا أمعنا النظر جيداً نرى أن تاريخ الصهيونية يتناول أربعة أزمنة مختلفة : الأول : زمن التوراة ! . والثاني : الزمن السابق لهرتزل . والثالث : الزمن المعاصر لهرتزل ، والذي يبتدئ من سنة 1904 م إلى سنة 1918 م . والرابع : الزمن التالي لتصريح بلفور ) . ويؤكد ــ حسب زعمه ــ أن موسى عليه السلام ( كان أول من شيد صرح الصهيونية ووطد دعائمها ونشر مبادئها السياسية ) ! ! ! ويقول أيضاً : ــ ( وقد أثبت الواقع أن الصهيونية ليست في عهدنا هذا سوى حلقة من سلسلة متصلة حلقاتها بعضها ببعض اتصالاً وثيقا ، ومتواثقة أجزاؤها تماسكاً محكماً شديدا ) .
الأرض والشعب
كتب بيجن في كتابه " الثورة " يقول : ـ ( منذ أيام التوراة وأرض إسرائيل تعتبر أرض الأمم لأبناء إسرائيل ، وقد سميت هذه الأرض فيما بعد : فلسطين . وكانت تشمل دوماً ضفتي نهر الأردن ولبنان الجنوبي ، وجنوب غربي سورية . إن تقسيم الأرض عملية غير مشروعة ؛ ولن يحظى هذا العمل باعتراف قانوني ، وإن تواقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها . . وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل بتمامها وإلى الأبد . . ) .
وفي خطاب ألقاه بن جوريون بمناسبة إعلان قيام الدولة اليهودية على القسم الذي تمت سيطرة يهود عليه من أرض فلسطين عام 1948 م ، قال : ( أما السيف الذي أعدناه إلى غمده ، فإنه لم يعد إلا مؤقتا ، إننا سنستله حين تتهدد حريتنا في وطننا وحينما تتهدد رؤى أنبياء التوراة ، فالشعب اليهودي بأسره سيعود إلى الاستيطان في أرض الآباء والأجداد الممتدة من النيل إلى الفرات ) .
وفي عام 1950 م عندما صدر " قانون العودة " علق عليه بن جوريون بقوله : ـ ( ليست دولة إسرائيل دولة يهودية لأن اليهود يشكلون أغلب سكانها فقط ، إنها دولة لليهود أينما كانوا ، ولكل يهودي يرغب في ذلك . . ) . وينص هذا القانون على أن لكل يهودي أن يهاجر إلى إسرائيل ، ويعتبر يهودياً كل شخص أمه يهودية أو اعتنقت الدين اليهودي ، ولا يكون له دين آخر .
الدولة
في نكبة يونيو 1967 م أتم اليهود احتلال المدينة المقدسة ( القدس ) باستيلائهم على القدس الشرقية ، ولم يدخلها وزير دفاعهم آنذاك " موشيه ديان " إلا في أعقاب دخول الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي " شلومو غورين " حيث أدوا صلاة الشكر عند حائط البراق الشريف " حائط المبكى " وكانت الهتافات المسجلة وقتها : ( يا لثارات خيبر . . ) تشق عنان السماء . . وهنا قال ديان : اليوم فتحت الطريق إلى بابل ويثرب .
ويصف إسحاق رابين ــ رئيس الأركان يومها ــ دخوله بيت المقدس عام 1967 م فيقول : ( لقد كان احتلال القدس انتصاراً كبيراً لنا . . في حرب الاستقلال ــ عام 1948 م ــ اضطررنا إلى ترك القدس الشرقية بأيدي العدو ؛ ومنذ اندلاع حرب يونيو كان صبرنا قصيرا ، يجب ألا تضيع الفرصة التاريخية . . . لقد كنت أحلم دوماً بأن أكون شريكاً ، ليس فقط في تحقيق قيام إسرائيل ، وإنما في إعادة حائط المبكى إلى السيطرة اليهودية . . ) .
الوعد
. . أما بيجن ، فقد قال في " أوسلو " ونشرت ذلك جريدة " دافار " الإسرائيلية بتاريخ 14 ديسمبر 1978 م : ـ ( لقد وعدنا هذه الأرض ولنا الحق فيها . جاء في سفر التكوين ، الإصحاح الخامس عشر ، الآية 18 : في هذا اليوم قطع الرب مع إبرام " إبراهيم " ميثاقاً قائلاً : لنسلك أعطي هذه الأرض ، من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات ) .
وعندما طرح " ريجان " الرئيس الأمريكي مبادرته للسلام في الشرق الأوسط ؛ بعث إليه " بيجن " برسالة يعقب فيها على هذه المبادة ، جاء فيها قوله : ( سيدي الرئيس ، إن ما يطلق عليه من قبل بعضهم " الضفة الغربية " هو يهودا والسامرة ، وحقائق التاريخ البسيطة هذه لن تتغير أبداً ، هنالك من يحاول الالتفاف على التاريخ ، ويمكن لهم الاستمرار بهذا الالتفاف كما يرغبون ولكني سأتمسك بالحقيقة التي تنص على أنه قبل ألفي علم كانت هناك مملكة يهودية في يهودا والسامرة . هنالك سجد ملوكنا للرب ، وهنالك تنبأ أنبياؤنا بالسلام الأبدي ، وهنالك أنشأوا حضارات غنية حملناها معنا في قلوبنا وأفكارنا وفي تجوالنا لأكثر من ألف وثمانمائة سنة وعدنا بها على وطننا . . من أجل صهيون لن أهدأ ، ومن أجل أورشليم " القدس " لن أسكت . . ) .
ألا يكفي هذا لإقناع بعض بني جلدتنا أن يهود إنما ينطلقون من رؤية دينية ، توراتية تلمودية وعنها يصدرون ؟ ! إن أي تحليل للتعاليم اليهودية نفسها من خلال التوراة المتداولة التي تعلن منذ البداية متى يرتفع اليهودي إلى مرتبة الكمال بقولها : ( وهكذا سوف يكون عندما تصل إلى الأرض التي أعطاها الإله لك كميراث وتضع يدك عليها . . ) . أو من خلال التلمود الذي يصرح بأن ( واجب كل يهودي هو أن يعيش في أرض إسرائيل ، وأن هذا الواجب يعلو أي التزام آخر ) . بل إن الديانة اليهودية تفرض على كل يهودي فرضاً مقدساً هو أن يساعد أولئك الذين استطاعوا أن يظلوا في أرض الميعاد ، أو استطاعوا أن يعودوا إلى أرض الآباء . .
حتى في التبرعات التي لا يكل يهود ولا يملوا في جمعها وإرسالها من مختلف بلدان العالم إلى دولتهم في فلسطين ، إنما ينطلقون من وصية توراتية بأن يساعد اليهودي أخاه اليهودي : ( . . والذي تعطيه لي سأرده عشر مرات . . ) .
من هنا وجدنا أن ثمانمائة عائلة يهودية تعيش في مدينة " بورت إليزابيث " بجنوبي أفريقيا يتبرعون بعشرة ملايين مارك ألماني عندما وقف بينهم " لويس ماكس " يحثهم على التبرع بقوله ( أعطوا وأعطوا حتى يوجعكم العطاء . . حتى يؤلمكم العطاء ) . وفي باريس استطاع " روتشيلد " أن يجمع من النصف مليون يهودي فرنسي أكثر من ثمانية وأربعين مليون مارك ألماني لتحول إلى دولة العدو . . وفي نيويورك بلغت تبرعات الستة ملايين يهودي أمريكي لصالح دولة العدو خلال العام 1984 م خمسمائة مليون دولار أمريكي دفعوها استجابةً لطلب " إدوارد جنسبارغ " الذي كان يقول لهم : ( إخواننا في إسرائيل يدفعون بأرواحهم ودمائهم وممتلكاتهم . . يدفعون دماءهم لإسرائيل . . أقل شيء نستطيع فعله التبرع بسخاء وبسخاء لا حدود له ) .
منقول من كتاب
( ملحمة فلسطين بأقلام المعاصرين
المفضلات