[size="3"]أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... بسم الله الرحمن الرحيم ... الحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ... سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ... والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ... ثم أما بعد ...
عندما قررت أن أكتب عن الشهوة الدينية , كنت أعلم جيدا أن هناك أناسا سيقولون : وما هي الشهوة الدينية ؟ !!!
بل سيتعجبون جدا من هذا العنوان !!! نعم أعلم ذلك جيدا ...
ولكن هناك بالفعل شهوة دينية بغض النظر عن إختلاف مسمياتها بين الناس والدعاة وغيرهم ... ولكني آثرت أن أسميها الشهوة الدينية لإقترابها من حقيقة أعراض الشهوة .
ولذلك سأبدأ بالحديث عن الشهوة قبل أن أتكلم عن الشهوة الدينية , لأقول : هناك أناس تقع في قلوبهم شهوة معينة , فمنهم من يشتهي النساء , ومنهم من يشتهي المال , ومنهم من يشتهي الحب , ومنهم من يشتهي الجاه ... إلخ . وكذلك منهن من تشتهي الرجال , ومنهن من تشتهي المال , ومنهن من تشتهي الحب , ومنهن من تشتهي الجاه ... إلخ .
وهذه الشهوات كلها في حقيقتها هي غرائز فطر الله الناس عليها , وذكر لنا كيفية التصرف معها والحصول عليها بالحلال .
أما أن نشتهيها بالحرام !!! فهذا هو المرفوض .
عندما يهم شخص بالوقوع في شهوة محرمة ... فإنك تجده قبل الوقوع في الشهوة المحرمة يلهث وراء الحصول على هذه الشهوة التي إشتهاها ... ويحاول بشتى الطرق الوصول إليها ... حتى إذا وصل إليها وحصل مراده من شهوته وتلذذ بها ... تراه يعود إلى عقله وتهدأ نفسه وتبدأ النفس اللوامة بالملامة إن كان لازال في قلبه بعض إيمان ... ليبكي على ما فعل ... ويندم أشد الندم ... ويعزم عزما أكيدا على عدم العودة لهذه الشهوة بهذه الطريقة المحرمة مرة أخرى ... وأنه سيصبر حتى يحصل عليها بالحلال ... ولكنه سرعان ما تهبط عزيمته ... ويقل إيمانه بضعف عمله الإيماني ... ليسقط في شهوته المحرمة مرة أخرى ... وهذا هو حاله عافانا الله من ذلك , ومن علينا بتوبة نصوح نقلع فيها عن الذنوب .
كذلك هو صاحبنا , صاحب الشهوة الدينية : إنه يشتهي الإلتزام ... ولكنه ليس بملتزم حقيقة ... فتراه ضاجرا من حاله مع الذنوب , فيقبل على الله ويلتزم بالفعل ... ولكن دون علم ... ودون صحبة صالحة حقيقية تصدقه النصيحة بالفعل ولا يضحكون عليه خوفا على مشاعره أو خوفا من أن يصفهم بالمتشددين أو أن يترك صداقتهم إلى صداقة غيرهم ... فيلتزم فترة من الزمن يصلي فيها الفرائض ويقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس ويصل الرحم وينفق من ماله في سبيل الله ... حتى يحس بالإشباع الديني وأنه لديه عند الله رصيد يسمح له بأن يعصيه فترة أخرى ... فتأخذه الغيرة من عمله ويبدأ في الهبوط مرتكبا ما كان يفعل قبل توبته مرة أخرى ... حتى يعاوده الشعور بالملل من ذنوبه فيتوب دون علم مرة أخرى ودون صحبة ناصحة حقيقية تعينه مرة أخرى ... لتصبح توبته أشبه بالشهوة يشتهيها فإذا حصل عليها وأحس بالإشباع منها تركهها حتى يعود إليه إحساسه بهذه الشهوة مرة أخرى ... وهكذا هي حياته .
إنني لا أقول : أن أصحاب هذه التصرفات فساق أو فجار أو غير ذلك من الألفاظ لا سمح الله ... ولكني أقول : أنهم قد يكونوا يريدون طريق الله فعلا ولكنهم لم يجدوا اليد الحانية التي تأخذ بهم إلى طريق الله ... وقد يكونوا بالفعل فساقا وفجارا يعملون على اللف والدوران والكذب ( كذبوا على أنفسهم حتى صدقوا كذبتهم ) وكل همهم هتك أعراض الناس أو إشباع صورة معينة لأنفسهم يريدون أن يروها لأنفسهم في أعين الآخرين ... أو غير ذلك من الأغراض الدنيوية الحقيرة .
ومنهم من تأتيه شهوته عند حاجته لله , فلا يقترب من الله إلا إذا أراد مصلحة ... وكأنه سيضحك على الله والعياذ بالله .
ومن هنا رأيتني أسأل نفسي هل أنا من أصحاب الشهوة الدينية ؟ !!!
ولكن كيف أعلم أني صاحب شهوة دينية ؟ أم حقيقة إيمانية ؟ !!! ياله من سؤال صعب يهز النفس ويحسسها بحقارة أفعالها السيئة مع الله .
فوجدتني أبحث عن أعمالي وأعرضها على كتاب الله وسنة نبيه ومصطفاه .
لأجدني في بعض الأحيان يستهويني أمر معين فأفعله لإقتناعي به ولكن ليس عندي دليل على جوازه الشرعي , فأبدأ في البحث عن أدلة تجيزه , وكأني أحلل ما إستهوته نفسي , فأقبل ما ما يؤيدني من الآراء وأرفض الآخر .
ورأيتني في مواقف أخرى أعمل على قراءة كتاب الله وسنة نبيه ومصطفاه وأحاول أن أفهم رسائل الله ورسوله لأستنبط منها ما يريد الله ورسوله .
فوجدتني في المرة الأولى أحس بأني عبد نفسي , وفي الثانية أحس بإستسلامي لله , فعلمت أن الله لم ينزل لنا كتابه ونبيه لنحكم فيهم هوانا , ولكن لنضع هوانا تحت أمر الله ورسوله ... ليصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به .
فهل بالفعل هوانا تبع لما جاء به الله ورسوله ؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
همسة :
في هذه الهمسة أذكر يوم كنت في الصف الثالث الثانوي وطلبت من والدي آلة حاسبة لأدخل بها الإمتحانات لأن آلتي انتهت صلاحيتها , فنزلنا سويا لأجد آلة يابانية القطع , وماليزية التجميع ... فأعجبتني حقيقة هذه الآلة وقمت بشرائها ... فلما وصلنا المنزل وفتحت الكرتونة ... وجدت مع الآلة كتالوجين أحدهما ماليزي ويتحدث عن أعطال التجميع ... والآخر ياباني ويتحدث عن أعطال القطع ... فقلت سبحان الله ... لماذا لم تقم ماليزيا بعمل الكتالوجين مرة واحدة ... فعلمت أن من صنع الشيء هو أعلم الناس بخباياه .
فمن الذي صنعنا ؟ !!! إنه الله ولذلك هو الأعلم بخبايانا .
فهل من المعقول أن يتركنا دون كتالوج القطع وكتالوج التجميع مع فارق التشبيه ؟ !!!
هل من المعقول أن يخلقنا في هذه الحياة دون أن يعلمنا كيف نتعامل معها ؟ !!!
هل من المعقول أن يتركنا دون أن يعلمنا كيف نتعامل مع أنفسنا ؟!!! ومع أسباب ضعفنا ؟ !!! وشهوتنا ؟ !!! إلخ !!!
فوجدت أن الإجابة هي لا بالطبع ... ولكن أين هذا الكتالوج ؟ !!!
لقد وجدته كتاب الله وسنة حبيبه ومصطفاه ... فتساءلت : سبحان الله ... إن كان كتالوج الإستخدام موجودا ... فلماذا لا نستعمله في إصلاح النفس ؟ !!! فبحثت وبحثت وبحثت ... لأجدنا وقعنا في أمور ... هي :
هجر الكتالوج .
عدم فهم الكتالوج .
عدم الإقتناع بما في الكتالوج .
ولذاك ضاقت علينا الدنيا بما رحبت والعياذ بالله .
أسأل الله الكريم ... رب العرش العظيم ... أن ينفع بهذه الكلمات وأن يحرك بها ما سكن في قلوبنا ... إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله من وراء القصد[/size]
المفضلات