صحافة عربية وعالمية
ليس هذا كل شيء
لن تنهار إسرائيل غداً. هناك متسع من الأزمنة لبقائها المتوعك. لا تزال تحتفظ بقوى باهظة: سلاح متفوق، عصبية فائقة، احتضان غربي، توأمة مع أميركا. وعليه، فإن إسرائيل، لن تسقطها «أساطيل الحرية»، لكن... هذا ليس كل شيء.
قد تنجح أميركا في تحسين صورة إسرائيل: فك شكلي للحصار، انسحاب شكلي عن حواجز الضفة الغربية، مصافحات حميمة مع أبو مازن، استدراج حماس إلى مفاوضات غير مباشرة وغير مركبة كذلك... وعليه، فإن إسرائيل تعود إلى «الحظيرة» الدولية، مغتسلة من جريمتها. لكن... هذا ليس كل شيء أيضا.
لن تنهار جبهة الاعتدال العربية قريبا. أمامها من مخزون الضعف الكثير لاستهلاكه. ولديها من قوة الدعم، المفروض أو المرغوب، ما يعوّض عليها، دعم شعوبها التي غادرت بلادها إلى فلسطين، من أقصى اليمن إلى أقاصي الأوراس في المغرب الأقصى.
سيجد زعماء «أمة الاعتدال» فرصة ذهبية، لتبرير عجزهم، بأنهم ينتمون إلى مجموعة قيادات «البلاد العربية المحتلة»، فلا حول ولا قوة. لكن... هذا ليس كل شيء أبداً.
لن تشتعل حرب بين تركيا وإسرائيل. فهناك ما يكفي من المساحات الدولية والإقليمية، للمبارزة والخلاف، وهناك من هو مستعد لرأب الصدع بين دولتين ورسم حدود العداء وطرق التواصل. فلا إسرائيل ضعيفة ولا تركيا سهلة المنال... المعركة بينهما تقاس بالنقاط والأقوال. وقت استعمال القوة سابق لأوانه. لكن... ليس هذا كل شيء بالمرة.
جريمة إسرائيل ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. ستغمس أيديها بالدماء أكثر من مرة... قد تفك الحصار لحذف البشاعة اللاحقة بها، وفي المقابل، ستقصف وتحاصر وتغتال وتعتدي وتقترف وترتكب، أفعالاً جرمية بالتقسيط... ولن يهتم زعماء البلاد العربية المحتلة، ولن يدينها مجلس الأمن، ولن يتجرأ بان كي مون على عمل يهدد راتبه الشهري.. لكن... ليس هذا كل شيء على الدوام.
إذاً ماذا بعد كل هذه الأشياء؟ أي شيء جديد أو قديم، هو الأساس.
قليل من المشاهد يساعد:
الحصار، أسلوب بربري غير جدير بأن يدرج في سلة العقوبات الدولية. الحصار، كأسلوب عقابي، يفرضه مجلس الأمن، وفق البند السابع، هو جريمة أشد فتكاً من الحرب.
الحصار يقتل الأبرياء فقط. يميت الأطفال بالآلاف. يحوّل الشعوب المحاصرة إلى فئران اختبار. إلى أرقام وجثث وتوابيت وحفر لإقامة الأحياء. كم قتلت مادلين أولبرايت إبان حصار العراق؟ كم قتلت إسرائيل وساهمت مصر، في قتل شعب غزة؟
ثم إن الحصار، لا جدوى منه سياسياً. حصار ليبيا، لم يسقط القذافي. حصار كوبا المزمن، لم يسقط كاسترو ونظامه. حصار العراق لم يسقط صدام حسين (سقط بالاحتلال). والحصار لم يسقط غزة. فلا جدوى من حصار تتعطل فيه قوة الشعوب. لا ينجح حصار تقاومه شعوب، (غزة نموذجاً) أو تدفع ثمنه شعوب من قبل دكتاتورييها.
لكن، ينجح الحصار في حالة مثل حالة جنوب أفريقيا، وفي حالة أخرى، عسى تكون قد بدأت بداياته، وهو حالة إسرائيل. على أن الحصار وحده يظل قاصراً جداً، إن لم يقترن بحراك داخلي، بمقاومة عنيدة، برأي عام مؤثر.
جريمة إسرائيل ضد أسطول الحرية، لا تشبه جرائمها السابقة. ليست كجريمة قصف قانا، في حرب معلنة على لبنان. لا تشبه مقتلة جنين، في حرب «السور الواقي» على الضفة والقطاع، ولا تقارن بأي ارتكاب إسرائيلي مهما عظم... هذه هي الجريمة الكبرى، لأنها ارتكبت ضد من يملك براءته سلاحاً، وإنسانيته خندقاً...
ولا تخاف إسرائيل إلا من هؤلاء... لأنها لا تستطيع أن تتهمهم بالإرهاب. (مضحك إرهاب السكاكين!).
الجديد، أن إسرائيل قد تقع بين فكي كماشة: مقاومة مستعدة في لبنان، مقاومة حاضرة في غزة، مقاومة تستعد في الضفة، يقابله ضغط دولي يزداد فعلاً. (لا تنفع المكابرة الإسرائيلية).
مقاومة داخل جنوب أفريقيا العنصرية، يصاحبها ضغط دولي ومقاطعة فاعلة، ورأي عام داخلي (أبيض) يقول: لقد أتعبتنا العنصرية.
وهنا، مقاومة في الداخل، ومشروع ممكن للضغط من الخارج، ورأي عام إسرائيلي، قد يقول: لقد أبعدتنا الصهيونية.
هل هذا وهم؟
من يظن أن إسرائيل ستنهار قريبا، واهم جداً. ومن يؤكد أن إسرائيل ستبقى، بحاجة إلى مصحّ سياسي.
وليس هذا كل شيء... طبعاً.
لعل الشيء المؤكد، أن الأنظمة العربية المحتلة، ستكون قيد الإقامة الجبرية، في النسيان.
نصري الصايغ
السفير اللبنانية
المفضلات