مصير أفريقيا.. في يديها
إن هذه سنة هامة بالنسبة لأفريقيا. فمباريات كأس العالم ستضع القارة في بؤرة اهتمام العالم. وستكون مواطِن قوة القارة ومواطِن ضعفها موضع تمحيص دولي أكبر مقارنةً بأي وقت من قبل. فما هو الذي سيُقال عنها؟
إن اقتصاداتنا تثبت قدرتها على الصمود والتحمُّل. فبعد مواجهة صعوبات كبيرة في أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، يمضي الانتعاش في أفريقيا قُدُماً، مما يتناقض مع القتامة السائدة في أماكن أخرى من العالم. فمصرف التنمية الأفريقي وصندوق النقد الدولي يتوقعان أن تبلغ معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا حوالى 5% بحلول نهاية السنة.
وتتزايد قيمة موارد أفريقيا، ويتزايد نشاط أفريقيا في مجال قطاع الأعمال. فتغيُّر المناخ يوجه الانتــباه إلى الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها إمدادات القارة من الطــاقة المتجددة، بما فيها الطاقة المائية والحرارية والريحية والشمسية.
وإيجازاً، يتزايد رصيد أفريقيا، مثلما يوضح التقرير السنوي لعام 2010 عن تقدم أفريقيا الذي يصدر في يوم أفريقيا. ولكن التقرير يطرح أيضاً بعض الأسئلة الصعبة.
لماذا لا يزال عدد كبير جداً من الناس محاصرين في براثن الفقر رغم ثروة قارتنا؟
لماذا يتسم التقدم المحرز فيما يتعلق بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بالبطء والتفاوت الشديدين؟ لماذا تعاني نساء كثيرات للغاية من التهميش والحرمان؟ لماذا يتزايد انعدام المساواة؟ لماذا يوجد قدر كبير من انعدام الأمن؟
إن النبأ الذي يبعث على السرور هو أن الحصول على الخدمات الأساسية، من قبيل الطاقة والمياه النقية والرعاية الصحية والتعليم، قد تحسَّن في أنحاء كثيرة من القارة. ولكن يظل مئات الملايين من النساء والرجال والأطفال محرومين من هذه الخدمات.
وعند محاولة تقديم أجوبة عن هذه الأسئلة الصعبة، يجب أن يحترس المرء من التعميمات. فأفريقيا ليست متجانسة؛ فهي شديدة التباين. ولكن أمم أفريقيا تربط بينها تحديات مشتركة تعوق التنمية البشرية والنمو المنصف، وهذه التحديات هي ضعف الحوكمة، وعدم كفاية الاستثمار في المنافع والخدمات العامة، سواء كانت هذه هي قدرة المواطنين الإنتاجية، أو البنية التحتية، أو الطاقة الميسورة التكلفة، أو الصحة، أو التعليم، أو الإنتاجية الزراعية.
هذا ويضيف تغيُّر المناخ أبعاداً جديدة وإلحاحية جديدة. إذ يوجد اعتراف متزايد بأن التنمية الاقتصادية المستدامة وفرص العمل يجب أن تكون مترسخة في اقتصادات قليلة الانبعاثات الكربونية، وتدعمها خطط للحد من مخاطر الكوارث ومن القابلية للتعرض لها.
وعلى مدى العقد المنصرم، تعلمنا الكثير عما يجب. وتشمل العناصر اللازمة وجود قيادة سياسية تتسم بالعزم لكي تضع وتوجِّه خططاً لتحقيق النمو المنـصف والحد من الفقر. كذلك فإن القدرة التقنية والإدارية والمؤسســية حــيوية إذا كان المراد تنفيذ السياسـات والخطط. والحوكمة الجــيدة وســيادة القانون ووجود نظم للمساءلة هي أمور لا غنى عنها لضمان خضوع الموارد للتمحيص العام واستخدامها بفعالية وكفاءة.
فما هو إذن الحائل دون تقدمنا؟ إن الافتـقار إلى المعرفة ووجود نقص في الخطط ليس المشكلة. حسنٌ، بل إن القادة وواضعي السياسات الأفارقة صاغوا جداول أعمال رؤيوية في كل ميدان، بدءاً من التكامل الإقليمي ووصــولا إلى تمـكين المرأة. وعلاوة على ذلك، لدينا أمثلة وفيرة للبرامج والمشاريع التي تُحدث فارقاً إيجابياً ملموساً في حياة الناس في كل ميدان.
وليس الافتقار إلى الأموال ـ وإن كانت تلزم أموال أكثر ـ ولا تدفق الثروة، غير المشروع في كثير من الأحيان، إلى الخارج هو العقبة الكأداء، وذلك لأن القارة تزخر بموارد طبيعية وبشرية هائلة.
فالقضية هي ضرورة توافر الإرادة السياسية، دولياً وفي أفريقيا على حد سواء. دولياً، ثمة مــخاوف مـن أنَّ توافق الآراء حول التنمية قد تآكل بفــعل الأزمة المالـية. فثــمة بلدان غنية كثيرة تفي بوعودها بشأن تقديم المساعدة الإنمائية، بينما تتخلف بلدان أخرى كثيراً عـن الوفاء بوعودها.
وأوجه القصور هذه لا تنجم عن حدوث أي نقصان في التضامن والتعاطف الإنسانيين. ولا يمكن أن ننحي باللائمة فيما يتعلق بها على قيود الميزانية وحدها، وذلك بالنظر إلى أن المبالغ التي ينطوي عليها الأمر متواضعة نسبياً.
وإنما تنبع أوجه القصور هذه من عدم التعبير عن أهمية وضع احتياجات أقل البلدان نمواً والبلدان الأفريقية في بؤرة السياسات العالمية.
ويجب تصعيد الجهود الرامية إلى شرح كيف أن الفوائد التي تُجنى، إذا تحقق ذلك، سواء من حيث توفير سياسات تجارية أكثر عدلاً أو من حيث القضاء على الفساد، ليست مجرد فوائد أخلاقية أو إيثارية فحسب، بل هي فوائد عملية وتخدم المصلحة الذاتية للبلدان الأكثر ثراءً.
ويتحمل قادة أفريقيا مسؤولية أساسية عن دفع عجلة النمو المنصف وعن توظيف الاستثمارات اللازمة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وبوسعهم أن يساعدوا في هذا الصدد بأن يسوقوا بقوة أكبر المبررات التي تدعو إلى اتباع السياسات الإنمائية اللازمة وتوفير الموارد اللازمة.
لقد أصبح في القارة الآن قادة برزوا كأبطال في مجال التنمية. ونحن بحاجة إلى عدد أكبر منهم. ولكن من دواعي الأسى أن جهودهم يحجبها في وسائط الإعلام الدولية سلوك القادة الآخرين السلطوي والرامي إلى اكتناز الثروة الشخصية. وينبغي قياس تقدم أفريقيا ليس فحسب من حيث الناتج المحلي الإجمالي بل أيضاً من حيث الفوائد التي يحققها النمو الاقتصادي لجميع الناس فيها.
إن أفريقيا جبهة اقتصادية جديدة. ونهج وتصرفات القطاع الخاص، وكذلك نهج وتصرفات شركاء أفريقيا الدوليين التقليديين والجدد، ينطويان على أهمية حاسمة في المساعدة على التغلب على التحديات التي تواجه القارة. وتتاح فرصة حقيقية لتعزيز الشراكات الجديدة مع بلدان من قبيل الصين، ومع بلدان الشرقين الأقصى والأوسط وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية، للمساعدة على تحقيق الأهداف الإنمائية.
ومن اللازم أن يتوافر لدى القادة الأفارقة قدر أكبر من الثقة في وضعهم من حيث المساومة، وقدرات أكبر في مجاليّ القانون والتفاوض، وذلك لكفالة إبرامهم اتفاقات تحقق فوائد. وينبغي مطالبة شركائهم، ومن بينهم القطاع الخاص وبلدان الجنوب، بالتقيد بأعلى معايير الشفافية والنزاهة.
إن القيادة السياسية والقدرات العـملية والمساءلة القوية هي عناصر نجاح قصة عظيمة. وباستطاعة المجـتمع الدولي أن يلعب دوراً حاسماً في كفـالة إتاحة فرصة متكـافئة لأفريقيا. ولكن مصير أفريقــيا هو، أولاً وقبل كل شيء، في يديها.
كوفي عنان (الأمين العام السابق للأمم المتحدة)
السفير اللبنانية والشروق المصرية
المفضلات