[align=center]
*** الـــوفـــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــاء ............ !!!! ***
فالوفاء يعني : الإخلاص .
والوفاء يعني : لا غدر ولا خيانة .
والوفاء يعني : البذل والعطاء .
والوفاء : تذكّر للود ، ومحافظة على العهد .
وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود فقال سبحانه
: { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } – المائدة 1 - ،
ومن أوثق العقود التي يجب الوفاء بها : عقد النكاح ،
وشروطه أولى الشروط بالوفاء .
جاء في الحديث :
(( أحقُّ الشروط أن توفُّوا به ما استحللتُم به الفروج ))
رواه البخاري ، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه .
والوفاء بين الزوجين الذي أودُّ الحديث عنه هنا لا يقتصر على الالتزام بأمر شرطه أحد الطرفين على الآخر حين العقد ،
بل يتعدّاه ليشمل كل معنى جميل تشمله كلمة الوفاء .
فهو يشمل تفاصيل الحياة بين الزوجين ؛
ليعيش كل منهما وهو يحمل في قلبه حباً ووُدّاً ورحمة وتقديراً وإخلاصاً لا متناهياً تجاه الطرف الآخر .
فالوفاء يعني :
البذل والعطاء والتضحية والصبر ،
وذلك بالاهتمام بمن كنت وفياً به ،
والحرص عليه ،
وعدم التفريط فيه ،
والخوف عليه من الأذى ،
ومراعاة شعوره وأحاسيسه ،
وتقدير جهوده ،
والشكر لصنائعه ،
وعدم إفشاء سره ،
والحفاظ على خصوصياته ،
والعمل على إسعاده ،
والثناء الحسن عليه ،
وذكر محاسنه ،
وتجاهل أخطائه ،
والذكرى الجميلة لعهده وأيامه بعد فراقه .
فليس مع الوفاء ترصُّد ،
ولا تصيُّد ،
ولا إساءة ،
ولا ظلم ،
ولا نكران ،
ولا جرح ،
ولا قدح ،
ولا .. ولا..
والوفاء بمفهومه الشامل الذي أوضحناه لا يتحقق إلا إذا كان بناء هذه العلاقة منذ البداية سليماً متيناً راسخاً ،
يقوم على مبادئ ، ويسعى لتحقيق أهداف .
فمن تزوج للجمال فقط ،
تلاشى الوفاء في علاقته عند فقد الجمال .
ومن تزوج للمال فقط ،
ضاع الوفاء مع فقد المال .
لكن من كانت الأولوية عنده في هذا العقد والعهد للدين والخلق ،
مراعياً قول خير البرية صلى الله عليه وسلم :
(( فاظفر بذات الدين )) ،
وقوله : (( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه )) ،
فحري بهذا أن ينعم بالوفاء والهناء .
إن قضية الوفاء لا تتحقق إلا إذا تضافر لها ثلاثة عناصر : الحب ،
والإنسانية ،
والإيمان ،
فالحب محرِّك الوفاء ،
والإنسانية ضمانه وبها استمراره ،
والإيمان هو الضابط له ،
وبه يكمل ويربو .
وبين يديك الخطوط العريضة لمعالم الوفاء بين الأزواج رسمها لك سيد الأوفياء عليه الصلاة والسلام ،
من جعله الله تعالى الأسوة الحسنة ؛
ليستنير بهديه ويسير على دربه المؤمنون .
أخرج البخاري بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت :
ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرْتُ على خديجة ،
وما رأيتُها ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكْثِر من ذِكْرِها ،
وربما ذبح الشاة ثم يُقَطِّعُها أعضاء ،
ثم يبعثها في صدائق – أي : صديقات – خديجة .
فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة !
فيقول : (( إنها كانت ، وكانت ، وكان لي منها ولد )) .
فصلَّى الله وسلَّم على أكرم الخلق ، وحافظ العهد .
فقد كان صلى الله عليه وسلَّم وفياً لخديجة في حياتها ،
ووفياً لها بعد وفاتها ،
فهو يذكر أعمالها وأخلاقها ،
وأيامها وعهدها ، رضي الله تعالى عنها .
كيف لا ، وهي التي آثرته ورغبت فيه ، وهي أول من صدَّقه وآمن به ،
وهي التي ثبَّتَتْ فؤاده وقوَّت عزيمته ،
وكانت البلسم الشافي لآلامه وأحزانه .
هي التي واسته بمالها ، وهي التي رزق منها الولد ، وهي التي حفظت عهده ، وحافظت على بيته وولده ، وهي .. وهي ..
فنالت بسبب هذا الوفاء العظيم ما جاء في الحديث الشريف :
(( بشِّروا خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب )) رواه البخاري .
وعند الطبراني من حديث فاطمة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، أين أمي خديجة ؟ فقال : (( في بيت من قصب )) . قلت : أمن هذا القصب ؟ قال
: (( لا ، من القصب المنظوم بالدرِّ واللؤلؤ والياقوت )) .
قال السُّهَيلي :
(( النُّكْتة في قوله (( من قصب )) ولم يقل : من لؤلؤ : أن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السَّبْق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها )) .
وقال ابن حجر : (( وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه ، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها ؛ إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ، ولم يصدر منها ما يغضبه قط ، كما وقع لغيرها )) .
وقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاءها بوفاء أعظم منه ، فكان من وفائه لها :
1- الحزن الشديد على فراقها ، كما جاء عند الحاكم من حديث حبيب مولى عروة .
2- ومن وفائه صلى الله عليه وسلم لها : أنها كان يصرِّح بحبه لها حتى بعد وفاتها .
ففي حديث عائشة رضي الله عنها عند ابن حبان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني رُزِقْتُ حبَّها )) يعني : خديجة .
3- الإكثار من ذكرها ، كما تقدم : (( إنها كانت وكانت )) يذكر ماذا ؟!.
إنه يذكر محاسنها : إيمانها وتصديقها ، وثباتها وتثبيتها ، إنه يذكر أخلاقها الفاضلة ، وعاداتها الجميلة ، والتزامها ، وأدبها ، واحترامها ، وحسن عشرتها ، إنه يذكر بيتها الهادئ ، وحياته الهانئة معها ، ويذكر ويذكر .
وهذا هو الوفاء العظيم الذي ينبغي أن يسير عليه كل من اتَّخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم قدوته .
فإن كان ثَمَّ أخطاء للزوجة ، فإن مسلك الأوفياء : تجاهل الأخطاء ، والتجاوز عنها ، وعدم إفشائها ونشرها ، مع مراجعة الذاكرة للبحث عن المحاسن والإيجابيات .
قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة – أي : لا يبغض –، إن كره منها خلقاً ، رضي منها آخر )) رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
وصدق القائل :
ومن ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلُّها كفى المرءَ نُبْلاً أن تُعَدَّ معايبُه
4- ومن وفائه صلى الله عليه وسلم لخديجة : أنه كان يَبَرُّ صديقاتها ومن يحبُّها ، ويهتمُّ بهنّ حتى بعد وفاتها ، يذبح الشاة ويقطّعها ثم يرسلها إليهن .
وكان يصل الواحدة منهنَّ بالهدايا المختلفة ، فقد أخرج ابن حبان من حديث أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُتِي بشيء قال :
(( اذهبوا به إلى فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة )) ،
ولفظ الحاكم : (( اذهبوا به إلى فلانة ؛ فإنها كانت تحب خديجة ))
وما ذاك إلا وفاء لخديجة ، وبراً بها ، وحباً لها ،
وإحياء لذكراها الجميلة على قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم .
5- ومن وفائه لها : أنه أكرم امرأة زارته بعد وفاتها ؛
لصلتها بها ، وما ذاك إلا وفاء لعهدها .
أخرج ابن عبد البر من حديث عائشة قالت :
جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها :
(( من أنت؟ )) فقالت : أنا جثامة المزنية . قال :
(( كيف حالكم ؟ كيف أنت بعدنا ؟ )) . قالت : بخير ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله .
فلما خرجت قلت : يا رسول الله ، تُقْبِلُ على هذه العجوز هذا الإقبال ؟! فقال : (( إنها كانت تأتينا أيام خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان )) .
وفي بعض الروايات أن هذه العجوز هي أم زفر ماشطة خديجة .
6- ومن وفائه لها : أن كان يذكر أيامها ، ويثني عليها ، ولا يرضى من أحد أن يتكلم عنها بمكروه .
أخرج أحمد من حديث عائشة قالت : ذكر رسول اله صلى الله عليه وسلم يوماً خديجة ، فأطنب في الثناء عليها ، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة ، فقلت : لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين . قالت : فتغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيُّراً لم أره تغيَّر عند شيء قط ... الحديث .
وكان يكثر من ذكرها ويبالغ فيه حتى قالت عائشة : (( كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة )) .
تلك هي معالم الوفاء التي ينبغي أن تبنى العلاقات الأسرية على أساسها ،
تلمّسناها من هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام سيد الأوفياء .
فحري بأهل الإيمان أن يكون الوفاء شعارهم ،
وعنوان حياتهم ،
ليحققوا السعادة ،
[/align]
المفضلات