وقف التدخين مع الحمل: أمر ملزم وواجب !
د. كميل موسى فرامالجواب الصحيح لعنوان المقالة بديهة صحية ليست مجال اجتهاد أو خلاف، والامتناع عن التدخين خطوة لا يستحق صاحبها شكرا أو وعدا بمكافأة، فهناك حقائق علمية وعالمية لا يختلف عليها بأن التدخين عادة اجتماعية مضرة بصحة المدخن واقتصاده والبيئة والمجتمع، وأعترف وأدرك أنها حرية شخصية يمنع التدخل فيها بحكم الأخلاق والقانون وحقوق الفرد، ولكنها بالتأكيد لا تمثل نوعا من الغيرة لأنني لم أمارسها من قبل، ولا تدخل في باب الندم على سنوات ضاعت حيث كان ضيق ذات اليد للعائلة في سبعينات القرن الماضي مانعا للانتماء لعضوية جمعية المدخنين بتسلسل وراثي من رحمة والدي وحتى ولدي ومبررا للتمتع بالصحة الجيدة حتى الساعة، ولكن أركان المعادلة للسيدة الحامل تختلف عن الآخرين، لأن الأذى الصحي يتعدى حدود الأم المدخنة إلى الجنين الذي يقبع في سجن الرحم بمراحل تكوينه الأولى ونموه، ويتعرض بواقع الحال لقذائف التدخين القاتلة المباشرة منها والمؤثرة، وهو يعبر عن ذلك بصوت خافت لا يُسمع ولكن الشكوى مع الأسف هي لصاحب الذنب غير المؤهل لإصدار الأحكام باعتباره المجرم القاتل، والتدخين أثناء الحمل كعنوان مجرد ممنوع إطلاقاً، وتستطيع السيدة الحامل التوقف عن التدخين بصورة كلية، وعلى الأقل منذ اللحظة التي يثبت فيها الحمل، ويجب أن ينطبق ذلك على التدخين السلبي كحال التدخين الايجابي، وهو ما يعني الابتعاد عن أجواء التدخين كليا، لأن التبغ المحترق يدخل سموما للجسم تنتشر بواسطة الدورة الدموية لجميع أعضاء الجسم، وتستطيع الانتقال من خلال أوعية الحبل السري والمشيمة إلى الجنين في مراحل تكوينه ونموه وتطوره لتؤثر عليه سلباً، وأثر التدخين على الحمل لا يتعلق بفترة زمنية حيث أن مشاكله ممتدة، ففي بداية الحمل هناك زيادة خطر الحمل خارج الرحم وزيادة فرصة الإجهاض الطبيعي، وزيادة خطر التشوهات الجينية وفي قمتها تشوهات الحبل الشوكي المشقوق، وتشقق في الشفة العليا والذي يعرف بالشفة الأرنبية، وننتقل لزيادة المخاطر والاضطرابات المشيمية سواء من حيث التكوين أو المكان، فهناك زيادة تغيير في موضع المشيمة داخل الرحم بصورة سلبية مؤثرة، ومشاكل في الأوعية الدموية المغذية وضعف الأداء الحيوي للمشيمة والذي ينعكس على شكل ألم وتأثر مزمن لدى الجنين يتجلى عند الولادة بوزن الطفل المتدني حتى لو كان عدد السجائر اليومية ضمن رقم محدد وقليل، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن تدخين الأم أو وجودها بكثرة في أماكن ينتشر بها دخان السجائر يمكن أن يؤثر على الجنين داخل الرحم، فالتدخين مثلا يقلل من النمو الطبيعي لأنسجة الجنين داخل الرحم وخاصة الرئة التي يقل حجمها في جنين الأم المدخنة عنه عن غير المدخنة، وقد لاحظ بعض الباحثين حدوث الولادة المبكرة بين الأمهات المدخنات ونقص وزن مواليدهن، وخطر إصابة الطفل بالتأخر العقلي نتيجة تأثر الخلايا الدماغية بمراحل التكوين وتعرضها لمواد سامة حارقة، ويتجلى الخطر الأكبر بالولادة المبكرة قبل اكتمال مراحل النمو والنزف المشيمي نتيجة ضعف البيان التكويني للمشيمة، وبالتالي زيادة خطر الوفاة قبل الولادة أو بعدها وموت الرضيع الفجائي غير المبرر ناهيك عن زيادة نسبة التشوهات الخلقية في القلب التي تنعكس بضعف المقاومة للجنين عند الولادة، وهناك من الدراسات الغربية الدقيقة التي تبين أن التدخين بأي صورة وكمية يتسبب بانقطاع الحمل في أي مراحله، ووفاة حديثي الولادة في أشهر حياتهم الأولى، وإنما هو عائد مباشرة إلى التدخين، ويبدو أن هذه الآثار الصحية مبينة علمياً وغير قابلة للجدل البيزنطي غير المنتج، وقلة من المدخنين لا يدركون ذلك. وتتعدى آثار التدخين لما بعد الولادة حيث نشر بحث شمل خمسة آلاف طفل في بريطانيا أوضح فيه العلماء أن القدرة على استيعاب المواد الدراسية تقل عموماُ في الأطفال المعرضين لدخان السجائر عنها في غيرهم بفارق زمني يصل إلى ثلاثة شهور، ويصل هذا الفارق إلى أربعة شهور في القدرة على القراءة بينما يزيد إلى خمسة شهور في مادة الرياضيات، بل وتوصل عدد من الباحثين الأمريكيين الى أدلة جديدة على أن تدخين الأم أثناء الحمل يزيد من احتمالات أن يدخن أطفالها فى سن مبكرة وتفسير ذلك بالمنطق العلمي انتقال مادة النيكوتين ومكونات التبغ الى الجنين عبر المشيمة التي يتغذى من خلالها الجنين ليشكل قدر من الادمان المؤذي والذي يترجم لواقع الفعل في سنوات الطفولة والمراهقة، ناهيك عن السلوك العدواني للطفل والاحباط النفسي والقلق العصبي.
علاوة على ذلك فقد ثبت علميا أن التدخين لسنوات طويلة وبدايات مبكرة قد يساهم بالشيخوخة المبكرة وربما يكون مرجعها الى زيادة في نوع من البروتينات الذي يسبب فقدان الجلد لمرونته، فللكيماويات التي يحتوي عليها التبغ اثار مدمرة على الجلد تتسبب في ان يبدو اكبر سنا من حقيقته، وعليه فالعلماء على دراية بتأثير الدخان على الجلد ولكنهم حتى الان لم يعرفوا كيفية واسباب حدوثه، الا ان بحثا جديدا اجراه الاطباء في كلية (جايز كينغس) اند سانت توماس للطب في لندن قد ساعد على تفسير ذلك الأمر بصورة جزئية حيث تبين أن أجسام المدخنين تحتوي على معدلات أعلى من بروتين يسمى اختصارا برمز ام.ام.بي/1 يقوم بتفتيت الكولاجين وهو عنصر مهم في المحافظة على مرونة البشرة، وهو بروتين البناء الرئيسي في الجلد، وهناك علاقة طردية بين عدد سنوات التدخين وكمية السجائر المدخنة والتي تتسبب بزيادة نشاط هذا الجين ببعض مكونات دخان التبغ.
وافتخار الأم بتقديم ببينة مرافعتها الدفاعية طلبا للبراءة من الجريمة أنها قد دخنت من قبل وأنجبت طفلا سليما، أو تعرف نموذجا لصديقة في نفس السلوك، لا يعتبر حجة للبراءة بقدر اعتباره جهلاٍ بقانون الصحة على افضل الاعتبارات. ويقيني أن قدر من الجريمة الطبية يتحمله الرجل عندما لا يتوقف عن التدخين في المحيط العائلي، لأسباب ضعيفة وغير مبررة، والتمثل بنماذج نسائية مدخنة لا يعتبر وسيلة للرأفة والبراءة، بل يمثل ترحيلا للمشكلات الصحية التي قد تظهر بأعمار متقدمة وفي مراحل مرضية يكون العلاج فيها خارج نطاق المحيط الطبي ويتمثل أساسا بزيادة جرعات الايمان والدعاء، لأختم من حيث بدأت أن المرأة قادرة على التوقف عن التدخين لو أرادت، لأن دستورها لا يعترف بالمستحيل، فإن كانت قادرة على صنع كل هذا بالرجل فهل تعجز عن وأد سيجارتها؟ سؤال بريء برسم الاجابة.
* استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
أستاذ مشارك/ كلية الطب – الجامعة الاردنية
المفضلات