صحافة عربية وعالمية
ذاكرة الآلام
هي الذكرى العاشرة لنهاية المشروع الاسرائيلي في لبنان الذي يرقى الى ما قبل قيام الدولة اليهودية، وبالتحديد الى الخرائط الصهيونية الاولى، التي تحدثت حيناً عن دولة مسيحية حليفة أو عن دولة درزية عازلة أو عن مصادر مياه حيوية، لكنها تبخرت مع مرور الزمن ولم يبق منها سوى ذكريات لا تنسى وتهديدات لا تتوقف وخطر لا ينتهي.
الانجاز الذي تحقق في مثل هذا اليوم من العام 2000 كان نتاج عقود طويلة من المقاومة الشعبية اللبنانية والفلسطينية التي دفعت الاسرائيليين الى التحقق تباعا من أنهم يستطيعون تدمير لبنان خلال أيام لكنهم لا يستطيعون الاستيلاء عليه، ولا السيطرة على أي بقعة مأهولة من أرضه، والى التثبت من أن لدولتهم حدودا شمالية تكاد تكون نهائية، برغم أنها لم ترسم بشكل نهائي بعد، سوى باللون الازرق المؤقت، والى التأكد من ان على قوتهم العسكرية الهائلة قيودا سياسية لا يمكن فكها بسهولة.
تحول لبنان الى لعنة إسرائيلية دائمة، أو الى حماقة اسرائيلية ثابتة، تكشف جنون القوة الذي يمكنه أن يحرق الارض ومن عليها لكنه عجز عن تحقيق أي إنجاز سياسي يذكر، حتى في أعقاب الغزو الكبير في العام 1982 عندما بدا ان إسرائيل كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمها اللبناني القديم وطموحها الفلسطيني التاريخي، ثم انهار كل شيء بسرعة فائقة وانكفأ الاسرائيليون الى دولتهم واضطروا الى التسليم بالحقائق اللبنانية والفلسطينية التي لا تزال تطاردهم حتى اليوم.
معجزة المقاومة هي بالتحديد أنها تحدّت موازين القوى غير المناسبة وحرمت الإسرائيليين ولا تزال تحرمهم من التفكير حتى في تحقيق أي مكسب سياسي أو جغرافي في لبنان، من أي حرب يمكن أن يشنوها على تلك الجبهة اللبنانية المضطربة، التي تتقاسم مع جبهة قطاع غزة الفلسطينية مهمة إشغال الإسرائيليين وإبقائهم في حالة تعبئة دائمة.. علهم يتعبون يوما أو يبتعدون عن خطوط المواجهة، التي ليس لها أفق، بل صارت شاهدا فقط على تبادل العمليات الثأرية المتلاحقة!
لكن هذه المعجزة لم تكتمل بعد، لا في العمق اللبناني ولا في العمق الإسرائيلي. والأرجح أنها لم تكتمل أبدا. مظاهر التعب بادية على جانبي الحدود، لكنها ليست كافية للتوقف، ولا للانتقال بلبنان من محطة الثورة الى محطة الدولة، أو للانتقال بإسرائيل من حقبة القوة الى حقبة العقل، التي يمكن أن تحول دون اللجوء مستقبلا الى اختبار عسكري جديد لن يكون له أي أثر، بعيدا عن موازين الدم وحساباتها الوحشية.
الذكرى العاشرة للتحرر اللبناني شبه التام من المشروع الاسرائيلي القديم، لا تزال تستدعي الكثير من التأمل في ما حققته مقاومة البلد الصغير من مكتسبات باهرة بالمقاييس العربية، من دون المبالغة في خطاب النصر الذي لا يستقيم مع فراغ الداخل اللبناني ولا مع توتر الحدود الجنوبية واستعدادها لتلقي ضربة إسرائيلية جديدة تستكمل درب الآلام اللبنانية المستمرة منذ ما قبل قيام الدولة اليهودية، من دون أمل بنهاية وشيكة.
ساطع نور الدين
السفير اللبنانية
المفضلات