ابواب
جائحة السمنة في الأردن خارج السيطرة
د. حيدر عبدالله الدومي - مع أن السمنة صُنفت على أنها مرض منذ نصف قرن، إلا أن هذا المرض قد أصبح جائحاً مع حلول القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك، ولغاية الآن، فإن السمنة لم تحظ بالاعتراف الكامل كمرض حتى من قِبَل بعض العاملين في الحقل الصحي. على الرغم من أن العلاقة السببية بين زيادة الوزن والسمنة والعديد من الأمراض المزمنة والخطيرة الأخرى كالسكري وأمراض القلب والشرايين وبعض أنواع السرطان، وكذلك الاضطرابات الأيضية والتنفسية والهضمية، وبعض أمراض العظام وبعض الأمراض النفسية والاجتماعية واضطرابات النوم والوفاة المبكرة قد أصبحت مفهومة بشكل أوضح مما كان معروفاً، إلا أننا لم نحشد الجهد المناسب للحد من هذا المرض العالمي بشكل فعال.
تضاعف معدل انتشار السمنة في السنوات الأخيرة في بعض البلدان المتقدمة، وهو كذلك في تصاعد مستمر في البلدان النامية. هنالك ما يقدر بثلاثمائة مليون مصاب بالسمنة في جميع أنحاء العالم. أما في الأردن، فإن نصف الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة يعانون إما من زيادة الوزن أو السمنة. كما تشير أحدث التقديرات إلى أن أطفال العالم أصبحوا أكثر عرضة وبصورة متزايدة للإصابة بزيادة الوزن أو السمنة، وهناك أكثر من مائة وخمسة وخمسين مليون طفل في سن المدرسة في جميع أنحاء العالم يعانون من زيادة الوزن أو السمنة؛ واللذين سرعان ما أصبحا من أكثر القضايا الملحة المتعلقة بالصحة العامة في الدول المتقدمة والنامية على حدٍ سواء.
إن العواقب الوخيمة الناجمة عن إهمال السمنة على المديين القصير والبعيد تتمثل في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض الخطيرة والمزمنة، وبالتالي ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. ومع أن 30%-80% من التباين في الوزن قد يعزى إلى العوامل الوراثية، إلا أن السمنة لا تنجم إلا عن التفاعل بين كل من العوامل البيئية المحفزة للمرض والعوامل الوراثية التي تورث الاستعداد للمرض. أما العوامل البيئية، فأنها تقسم إلى قسمين: الأول وفرة الأغذية والمشروبات الغنية بالطاقة، الأمر الذي أدى إلى تفشي «فرط الاستهلاك السلبي» للطاقة. الثاني: البيئة الاجتماعية والمكانية التي تحد من فرص ممارسة النشاط البدني؛ الأمر الذي أوصل المجتمعات البشرية إلى «حالة خمول شبه عالمية». وفيما يخص المسببات الوراثية، فهناك العديد من الجينات التي تساهم في الاستعداد الوراثي للإصابة بالسمنة بنوعيها: السمنة أحادية الجين أو السمنة متعددة الجينات.
وإذا علمنا أن السمنة لم تعد مرض الأثرياء فقط، وأن أياً من بلدان العالم لم تستطع أن تطور أدوات فعالة للسيطرة على هذه الجائحة، فإن التأسيس لجهد عالمي مُنسَق وقوي وعاجل لمكافحة السمنة بات يشكل تحدياً.
وحيث أن السمنة في الأردن أصبحت عبئا ثقيلا على الوطن والمواطن تغدو الحاجة ملحة لإنشاء معهد متخصص يتيح الفضاء واسعا للباحثين لدراسة السمنة بتحديد المسببات ورسم الحلول بالإضافة لتأهيل كوادر وطنية متخصصة وقادرة على التدخل الصحي والغذائي والبدني قبل فوات الأوان.
المفضلات