مقالات
الدولار والدينار .. مرة أخرى
مع نزول اليورو وضبابية الرؤية حيال مستقبل الاقتصاد الأوروبي , عاد المتحمسون للفكاك من الربط مع الدولار عن حماسهم .
بغض النظر عن الأسباب التي يضعها أصحاب هذه الدعوة عندما أطلقوها وعندما عادوا عنها , فإن تغيير سياسة نقدية توفر خطا آمنا في أوقات الاضطرابات خطأ خصوصا وأن النتائج الاقتصادية لمثل هذه الاضطرابات لا يمكن التكهن بها .
المتخصصون وغير المتخصصين ينظرون الى الأرقام كمؤشر وحيد على خطأ أو صواب سياسة الربط , فمثلا يدفع المتحمسون للتحول عن الربط بالدولار عندما يكون هابطا مبررات منها ارتفاع كلفة المستوردات وبالتالي الأسعار حجة لتأييد وجهة نظرهم , لكن هذه الحجة لا تصمد طويلا أمام الأرقام التي تشير الى أن نحو 72% من مستوردات المملكة هي بالدولار أو مقومة بالدولار , و22% منها باليورو و6% بعملات أخرى ما يعني أن معظم المدفوعات الخارجية تتم بالدولار .
ليس صحيحا أن العجز بالميزان التجاري سببه تراجع سعر صرف الدولار فما سبق من أرقام تؤكد خطأ هذه النظرية فالعجز سببه تزايد الاستهلاك مقابل انتاج غير مكافىء , ولو أن سياسة الربط خاطئة لترجم
ذلك فورا على شكل ارباك وتراجع , لكن ما يحصل هو العكس تماما , فالصادرات تنمو سنويا بنسبة 10% بالمعدل ما يعكس تنافسيتها كما أن الانفاق الاستثماري يزيد على 20% والنمو في الناتج المحلي الاجمالي هو
حول 5% بالمتوسط كما أن الطلب على الدينار الى زيادة ما ينفي مقولة تراجع مستوى قوة الدينار .
قد يكون الاستثناء من كل ما سبق هو تأثر المديونية وهي مؤقتة فكما هو معروف فان خدمتها المقومة بالدولار تتم وفق برنامج متوسط وطويل الأجل فحجم الدين الذي يتأثر اليوم سلبا قد يتأثر ايجابا غدا بمعنى أن تقلب أسعار الصرف ليست قاعدة تبنى على أساسها السياسات النقدية والمالية طويلة أو متوسطة الأجل .
صحيح أن الارباك في الأسعار والتقلبات في الكلف والتوترات السياسية تعمق حالة عدم اليقين في الوضع الراهن وتوقعات المستقبل للاقتصاد العالمي , لكن مواجهة ذلك لا تستدعي فك ربط الدينار بالدولار فهو أضعف
الحلول , بينما الاتجاه الحصيف يكمن في درجة الانضباط المالي والنقدي ما يعزز الثقة بقدرة البنك المركزي على كبح التضخم الناجم عن ارتفاع الكلف في موجة عالمية طالت جميع البلدان .
الربط بالدولار هو معيار تأشيري ولا فرق بينه وبين الربط بسلة عملات ما دام البنك المركزي يحتفظ باحتياطيات قوية ومتنوعة من العملات ففي ظل توفر السيولة من مصادر متعددة مثل تحويلات العاملين بالخارج والاستثمار الخارجي فان البنك المركزي اليوم مشتر قوي للعملات الاجنبية , وما
دام الدينار محافظا على جاذبيته كوعاء ادخاري وما دام التضخم تحت السيطرة .
ما سبق لا يعني أن لا يكون لدى السياسة النقدية سيناريوهات ستختار منها ما هو أفضل للاقتصاد بمعنى أن السياسة الراهنة لن تكون مقدسة في حال سيتعرض الاقتصاد الى مخاطر مثل سحب المال الساخن الذي قد لا يشكل نسبة خطرة من مجمل احتياطي النقد الأجنبي , لكن بعض الخيارات تبقى محفوفة بمخاطر أكبر فمثلا قد يسبب التعويم أو الربط بسلة عملات تذبذبا في قيمة ايرادات الحكومة المقومة بالدينار.
عصام قضماني
المفضلات