بســم الله الـرحمــن الرحيــم
الموت مصيبة كبري ولقد سماه المولى عز وجل بالمصيبة لما يقع معه من اهوال وعبر وعظات، فعند الموت يشعر الغافل ان الله حق وان الحلال بين وان الظلم ظلمات وان حياة المعاصي مهالك وليست ملذات، فتلك العبرة لا يمكن لعاقل ان ينكرها، بل لا بد ان يزداد التسليم والوعي لديه بأن الحياة غرور والموت آت لا محالة فسهمه انطلق بدءا من ميلاده وان تأخر قليلا ولكن الرمية صائبة لا محالة، مصداقا لقوله تعالى: «انك ميت وانهم ميتون».
واذا حان الاجل لا يستطيع كائناً من كان ان يغير من ذلك شيئا مصداقا لقوله تعالى: «ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها».
فالمرء الواعي وحينما يشارك الآخرين اتراحهم ودفن موتاهم في المقابر يجب ان يستحضر في هذه اللحظة وبكل ايمان عظمة الموت وشدته وسكراته فهذا الانسان الذي كان مفعم بالحياة البارحة قد غدا جثة هامدة نسارع في دفنها ولم يبق لهذا المرء سوى عمله ان كان حسنا فهنيئا له وان كان سيئا فيا حسرته على ما فاته، يقول المولى عز وجل في تجسيد هذه اللحظات العظيمة:«كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن إنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق» فكم من انسان امل املا بعيدا فاذا الاجل يفاجؤه وكم من انسان يقدر ويفكر فيما سيفعله في تجارته وكم سيجني من الاموال مهما كانت الوسيلة دونما وازع من دين فاذا به قد انتهى اجله وترك ما امله وانقطع حبل الامل وحضر الاجل قال تعالى:«وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد».
ومما لا شك فيه ان الوعي الديني يعتبر حصنا لصاحبه وهو الذي يدفع المرء الى اكتساب اسمى الصفات الرائعة والتحلي بافضل السمات النبيلة التي تعينه على نيل الاهداف السامية وتفهم وتدبر آيات الله في خلقه ومنها بالطبع العبرة والعظة من الموت وما وراءه، ومن آثار الوعي الديني عدم الاغترار بالدنيا فالانسان المتمتع بهذا الوعي لا تلهيه زخارف الحياة ولا يغتر بزينتها، لانه ينظر اليها على حقيقتها، فيدرك انها فانية وانها ممر للآخرة، فلهذا لا يركن اليها ولا يسمح لمتعها وزخارفها ان تبعده عن ذكر ما هو أهم منها. لانه يعي ان الله سبحانه وتعالى قد خلقه لغاية معينة ومسيرة طويلة، وقد جرت سنته تعالى ان يكدح الانسان من اجل نيل السعادة التي تأتي من تقوي الله وفهم معنى الحياة وتدبر الموت والاستعداد له.
ولكن وللأسف نلاحظ الكثير ممن ينقصه هذا الوعي يحب العاجلة وينشغل بالدنيا وينظر اليها على انها غايته، فتراه حتى وهو يشارك الآخرين دفن موتاهم لا تأخذه ثمة عبرة او عظة وانما ينشغل بالحديث عن اعماله ومشاريعه التجارية وما لديه من اسهم شركات وما حققه من ارباح، بل يتمادى بتبادل الضحكات وبعض النكات مع من يستمع له ويشاركه الحديث، متناسيا حرمة الموقف المهيب الذي هو فيه فيغفل عن التزود واخذ العظة والعبرة والعمل لدار المقر والدعاء للمتوفي، فيخسر صفقة الحياة ولا يكون حصاده يوم معاده سوى تجرع مرارة الندم.
فهؤلاء المغترون بالدنيا لم يدركوا انها دار بلاء مليئة بالغرور وكل ما فيها لا محال الى زوال واحوالها لا تدوم واليوم يدفن فلان وغدا يدفن غيره، فالدنيا عند الانسان الواعي تمثل رحلة عابرة وفانية ولا يدوم الا وجه الكريم قال تعالى:«كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام» فالمولى عز شأنه كتب على خلقه الفناء ولنفسه البقاء، لذا يغدو لزاما على المرء ان يتزود من الحياة ليوم المعاد، وقد أبلغ الامام علي رضي الله عنه حينما قال عن الدنيا ( إنها دار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها).
فياحسرتا لمن ركن الى الدنيا وتعلق بزخارفها وساير اهواءه وشهواته وهبط الى ماديات الحياة ، وطوبى لمن تسلح بالتقوى وتدبر آيات الله واتخذ من الموت عبرة وعظة وتزود من دنياه لآخرته.
المفضلات