مقالات
لا تقاطعني.. لباقة الحوار وفضيلة الإنصات
كان هذا هو عنوان الجلسة الثامنة والختامية لمنتدى الاعلام العربي (في نسخته التاسعة) الذي انتهى للتو في دبي, الذي يقوم عليه نادي دبي للصحافة منذ العام 2001, تلك الجلسة التي شهدت نقاشاً صاخباً, حاداً وحيوياً في الآن ذاته, وإن كان (النقاش) قد اعاد التأكيد على اننا كـ «عرب», لم نغادر حال الانحطاط والتخلف والتمترس في خنادق الفكر القطري واحتكار الحقيقة, والانحياز لثقافة نفي الآخر والبقاء في مربع الوعظ والهوس بالنجومية.
فكرة الجلسة قامت على الظاهرة المصاحبة لما باتت هي الاخرى ظاهرة تسمى البرامج الحوارية, التي تحفل بالصراخ ونفي الآخر والتحريض والحماسة الفارغة, التي لا تنتج في النهاية سوى ابتعاد الجمهور والهبوط بثقافته السياسية وذائقته السمعية والبصرية (دع عنك الاخلاقية) الى مستويات متدنية تجلب النفور اكثر مما تشده أو تدفعه الى المتابعة والاستزادة.. وربما الاعجاب بالمتحاورين أو المقدِم..
ثلاثة من «فرسان» البرامج الحوارية وعلى فضائيات مختلفة (تركي الدخيل.. اضاءات العربية) عمرو اديب (القاهرة اليوم, شبكة اوربت) مارسيل غانم (كلام الناس, lbc) وباحث كويتي اسمه محمد النغيمش (تغيّب صاحب الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة فيصل القاسم لاسباب غير معروفة) وكان موضع تعليقات لاذعة من مناصري فضائيات منافسة), انخرطوا في نقاش محتدم بين الجمهور (الذي في غالبيته العظمى من رجال الاعلام والصحافة) أحسب انه لم ينته الى اتفاق أو تفهم متبادلين, بقدر ما بدا وكأنه مواجهة في خندقين بل خنادق, اراد مقدمو البرامج الحوارية الظهور بمظهر الخبير وصاحب التجربة الطويلة والمتسلح بالحكمة والمعرفة والشهادة التي حصلوا عليها في الاعلام, وكأنها تمنحهم حصانة ضد النقد أو التساؤل أو التعبير عن خيبة الامل من التوظيف المقصود, السياسي والاجتماعي واحياناً الطائفي والمذهبي, لبرامجهم والتي تفوح منها رائحة التحريض وتكريس الفرقة.
مدير الجلسة الدكتور عبدالخالق عبدالله وهو استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات, كان الاكثر تألقاً ونجاحاً في التأشير على مواطن الخلل وتوجيه الضربات تحت الحزام لمقدمي البرامج, وإن بأسلوب مرح وحميمي, استطاع ان يدير حواراً متوازنا (حتى لا نقول ديمقراطياً حيث يغيب مثل هذا المصطلح في معظم الحوارات العربية) شعر معظم الحضور بعزلة مقدمي الحوارات, بل أن احدهم وقد توالت الانتقادات على ادائه تملص كثيراً من مواجهة انتقادات الحضور وسانده في ذلك جمهور بلاده (وهو الأكبر بين الحضور), وبخاصة أن بعض الحضور انتقد اداءه خلال «المعركة الكروية» التي نشبت بين مصر والجزائر قبل «موقعتي» القاهرة وأم درمان وبعدهما..
زد على ذلك في محاولاته الواضحة وغير المبررة لمقاطعة ضيوفه ومنعهم من استكمال فكرتهم أو توضيح ارائهم, وبالتالي ابقائهم في مواقع ملتبسة قد تجلب لهم مشكلات هم في غنى عنها او انها تظهرهم بمظهر المتباهي من موقف سياسي معين فيما العكس هو الصحيح (خرج الباحث الكويتي بعد دراسة نشرت في كتاب بعنوان «لا تقاطعني» بنتيجة تقول أن 70% من العرب المشاركين في البرامج الحوارية التلفزيونية لا يتحلون بآداب الحوار ويرددون كلمات لا تنم عن لباقة.
من هنا يمكن الاتكاء على ما طرحه مدير الجلسة عندما تساءل ما إذا كانت البرامج الحوارية تساهم في تشكيل وعي الجمهور أم التشكيك في ما يطرح فيها؟.
ثمة ما يقال في مجمل ما طرحه منتدى الاعلام العربي في نسخته التاسعة من قضايا وملفات جاءت هذا العام تحت عنوان «حراك الاعلام العربي: تعزيز المحتوى لتطوير الاداء».. والتي تنوع تناولها بين ورش العمل والجلسات، وانتهت بتوزيع الجوائز، وإذ يحسب لادارة المنتدى سعيها الى تجويد الاداء وتنويعه وتناول اهتمامات وهموم ومستجدات الواقع الاعلامي العربي باجناسه المختلفة, في عصر متسارع تأخذ «الثورتان» التكنولوجية والاتصالات في طريقهما الكثير من البنى القديمة والتقليدية، كما تفرض حقائق جديدة ووقائع اخرى يصعب الهروب او التملص من استحقاقاتها، وبخاصة تأثيراتها «الثورية» على العلاقة بين وسائط الاعلام وبين الاخيرة والجمهور الذي لم يعد خاضعاً لرقابات الحكومة وتضييقاتها وعدائيتها ورغبتها في ابقائه رهين الجهل والاستبداد والأبوية واحتكار تدفق المعلومات، إلاّ ان ذلك كله لا ينفي الاشارة الى عدم جدية بعض المتحدثين (حتى لا نقول معظمهم) في إعداد ما أوكل اليهم من عناوين وقضايا، ناهيك عن ترفع بعضهم وغروره، وهي امور يمكن استدراكها وفي سهولة ايضاً, إذا ما تم التدقيق والمراجعة والمتابعة المسبقة.
محمد خرّوب
المفضلات