ابواب
اللغات السبع
لا يجادل احد اخاه في ان القرآن الكريم كان السبب الاول والاخير في حفظ لغة العرب، لقد اندثرت لغات كثيرة كان لأهلها قوة وثبات في مجتمعاتهم تفوق ما كان للعرب من قوة ومنعة، ان بين ايدينا الآن اكثر من ست آلاف ومئتي آية تشتمل على اكثر من سبع وسبعين الف كلمة، وكلها او جلها يقع في التداول، وهذه الحصيلة عظيمة، وانها اذ كانت تعبر عن اهم هدف للانسان فانها حركت رجال العلم ليجمعوا كلمات وعبارات واشعاراً من البادية لتكون في خدمة لغة هذا الكتاب.
ما هي اللغات السبع التي نزل بها القرآن الكريم؟ يبدو انها كانت اهم لهجات جزيرة العرب، وليست جميعها، فان لغات العرب اكثر من ان تحصى، كانوا قبائل ولكل قبيلة لغتها وان كانت كلها تنظر الى قريش باعتبارها الام, ولذلك امر عثمان بن عفان كتبة المصحف ان يعودوا الى لغة قريش ان حدث اختلاف في الكتابة، وهذا يدل ان هناك عدة لغات كتبت في المصحف وان الابرز كان لغة قريش، قال ابن قتيبة يفسر قوله تعالى «وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه» سورة ابراهيم 4، قال «فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش» وهذا ليس بالقول الحق، وقد عارضه ابو بكر الباقلاني فقال «ان الظاهر في قوله تعالى «انا جعلناه قرآنا عربياً» سورة الزخرف 3، ان القرآن نزل بجميع السنة العرب ومن زعم انه اراد مضر دون ربيعة او دون اليمن او اراد قريشاً فقط دون غيرها فعليه البيان والاثبات.
ان واقع الامور اللغوية لا يتفق مع من يقول ان القرآن نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص وامثلة واخبار، فكانت اغراض القرآن واهدافه سبعة وقد عبر عنها بسبعة احرف، لقد اختلف عبدالله بن مسعود وابي بن كعب وغير هذين الصحابيين في القراءات، واحتكموا الى النبي (صلى الله عليه وسلم) فاستقرأ كل واحد منهم ثم صوب قراءاتهم جميعاً، وكان في كل قراءة يقول: هكذا أُنزل، ولو كان اختلافهم في المعاني كالتحريم والتحليل، اي قراءة تحرم شيئاً وقراءة تحلل نفس الشيء لما قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) قراءتهم، لأن الله تعالى يستحيل ان يأمرك بالصلاة في قراءة وينهاك عن الصلاة في قراءة غيرها، فالقراءات السبع اذاً يتعلق بتغيير بعض الحروف في الكلمات، تتغير الكلمة من قبيلة عربية الى قبيلة عربية اخرى، ولكن تظل المعاني واحدة، فقوم يقرءون الحاء عيناً فيقولون: عتى عين بدل (حتى حين)، وقوم ينطقون الهمزة وقوم يلينونها، وقوم يلفظون اللام ميماً، يقولون جبل امدود بدل ان يقولوا جبل (الدود) فهم يلفظون اللام ميماً، هذه هي اللغات السبع وهي لغات عربية، ولذلك توافر قوله تعالى «انا جعلناه قرآنا عربياً».
د. كامل جميل ولويل -
المفضلات