صحافة عربية وعالمية
غزة ضحية مرتين
يقول الخبر العادي ان عناصر الرقابة التموينية المصريين أوقفوا عند حاجز امني على مدخل مدينة العريش شاحنة محملة بمئة مولد كهربائي صغير كانت في طريق التهريب الى قطاع غزة، فصادروا الحمولة وأوقفوا شخصاً كان برفقة السائق.
الموظفون المصريون قاموا بالتأكيد بعملهم وفقاً للقانون، بأن صادروا معدات لا يحمل ناقلها اذناً للتصدير ولم يدفع اي رسوم وربما لا يملك اي اوراق قانونية تثبت شراءها او وجهة نقلها. لكن الأمر هنا لا يتعلق بمجرد تطبيق القانون بل ببعد أوسع بكثير هو الطابع الانساني للاستخدام، بغض النظر عما اذا كان صاحب المولدات مجرد مهرب يرغب في تحقيق ارباح مستغلاً النقص الحاد في الطاقة الذي يعاني منه سكان غزة.
ليست هذه محاولة لتحميل مصر مسؤولية الحصار المفروض على القطاع، فإسرائيل هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن المأساة الحاصلة هناك بكل ابعادها، وهي التي تمنع امداد القطاع بالوقود الكافي لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة، والمولدات المئة او الألف لن تحل الازمة، علماً أن السلطات المصرية تغض الطرف كثيراً عن عمليات تهريب مماثلة، كما تسمح بعمليات نقل المساعدات الطبية والانسانية اذا تمت بطرق قانونية وبالتنسيق معها.
فسياسة استهداف المدنيين مبدأ اسرائيلي معتمد منذ قيام الدولة في 1948، وطبقه جيش الاحتلال بتوسع عندما حاصر بيروت بذريعة اخراج مقاتلي منظمة التحرير منها، فلم يفرق بين هؤلاء وبين المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين في قصفه الوحشي للاحياء السكنية او الطوق المحكم الذي فرضه على رغيف الخبر وقنينة الماء، او في المجزرة التي ارتكبها في مخيمي صبرا وشاتيلا بعدما استباح المدينة.
والغرض هنا تبيان ان السكان في غزة يدفعون اليوم ثمن الخلط القائم بين العسكر والمدنيين والإلغاء المقصود للحدود بين السياسي والانساني، بحيث باتوا ضحايا مرتين، مرة لعسف اسرائيل وثانية لسياسات حركة «حماس».
قد لا نوافق على افكار ومواقف «حماس»، ولا نقبل اطلاقاً ارتباطها بمروحة المصالح الايرانية، ونرفض ان تكون الهالات السود على الجباه معياراً للانتماء الوطني، مثلما نرفض ان تكون الأفكار السود خلف الجباه نفسها اساساً لتنظيم المجتمع الفلسطيني في غزة او خارجها.
لكنّ هناك كثراً بين المليون ونصف المليون فلسطيني الذين يعيشون في القطاع يرفضون ايضاً حكم الحركة المتشددة وتخطيطها ليومهم ومستقبلهم، ويشعرون بأنهم يدفعون ظلماً ثمن تعنتها في تحقيق المصالحة الفلسطينية مثلما تحملوا ظلماً انعكاسات رفضها لمبدأ التسوية السلمية والحروب التي ولدها، ويحارون لماذا يتركون لمصيرهم.
والسؤال الذي لم يلق حتى الآن اجابة منطقية لا من العرب انفسهم ولا من العالم، هو هل يمكن الاستمرار في التغاضي عن المأساة الانسانية في غزة لأن «حماس» مخطئة ويجب ان تتحمل المسؤولية او لأن هناك عجزاً عن مواجهة اسرائيل واجبارها على فك الحصار عن المدنيين؟ لقد تحمست دول العالم جميعاً للتعاطف مع ضحايا الزلزال في هايتي والتبرع بالمساعدات لها، لكن ضحايا «زلزال» غزة لا يشعرون بأنهم لقوا الاهتمام نفسه او سيلقونه يوماً.
حسان حيدر
الحياة اللندنية
المفضلات