محلق الشباب
البترا تعلّم أبناءها لغات العالم
فرض واقع الحياة الصعب على أطفال يقطنون في إحدى القرى المجاورة لمدينة البترا، (إحدى عجائب الدنيا السبع)، أن يتحدثوا بلغات العالم المختلفة، دون أن يتعلموها في المدارس، أو يتلقوا أية دورات تعليمية, محتالين على بؤس الحياة بنجاح وتفوق.
صعوبة العيش وارتفاع نسبة البطالة، وتدني مستوى التنمية.. سمات بارزة في مثل هذه القرى، ليجد هؤلاء الأطفال في تلك التحديات حافزاً لهم، ليكونوا «أفضل» من بعض أقرانهم في المدن في مستوى اللغات التي يتحدثون بها، إلا أن هذا التميز انتزعوه لحسابهم، ولم يكن أفضل اختيارهم.
مصدر رزقهم عبر تقديم خدمات للسياح مثل الركوب على الخيل أو عرض منتجات تراثية أو تقديم الماء أو المشروبات، كان المصدر الرئيس لتعلم لغاتهم، والتحدث بها.
لا يجيدون قراءة وكتابة هذه اللغات ولا حتى العربية أحياناً، بسبب أن تعلمهم للكلمات الأجنبية مبني على السمع فقط, حيث ان معظمهم يؤدون دور المرشدين السياحيين باقتدار وجدارة.
وتتعدد مجالات عمل أطفال البترا فمنهم من يعمل في بيع الحجارة الملونة والتحف الشرقية التي تعبر عن جمالية المكان ويطغى على أغلبها الطابع النبطي القديم، فيما يعمل معظم الأطفال في مجال بيع الصور والبوسترات وتأجير الخيل للسياح الأجانب.
وبحكم أن الزائر لمدينة البترا، لا يستطيع الوصول إليها، إلا عبر «سيق» يمتد إلى أكثر من كيلو ونصف الكيلومتر، فإن أغلب الزوار والسياح يضطرون الى استخدام عربات الخيل أو ركوب الخيل نفسها، خصوصاً أن أغلب السياح من كبار السن.
وتعد مدينة البترا الوردية، من أهم البوابات الحضارية التي ينظر من خلالها العالم إلى الأردن، وتحتوي على عدد من المواقع الأثرية التي تعود إلى العصر النبطي، إضافة إلى المناطق الطبيعية ذات الجمال المميز، وأخرى تعود إلى العصر الحجري القديم، وتتميز بجبالها وهضابها ووجود البترا الصغيرة فيها.
ويؤم المدينة يومياً الكثير من السياح الأجانب، بالإضافة إلى زوارها من العرب والأردنيين.
سالم (17 سنة) يتحدث ثلاث لغات أجنبية، الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى الإسبانية، وجاء اكتسابه لهذه اللغات الثلاث نتيجة عمله في مجال تأجير «الخيل» منذ سبع سنوات.
وتميز سالم عن غيره من الأطفال العاملين في البترا بمثابرته على الدراسة وعدم الهروب من المدرسة، كما فعل بقية زملائه الذين تسربوا من مدارسهم في وقت مبكر نتيجة عدم وعيهم بأهمية التعلم.
واستطاع سالم بفضل احتكاكه مع السياح الأجانب أن ينفتح على ثقافات العالم المختلفة، ومعرفة أنماط حياة الشعوب وتقاليدهم، كما استطاع أيضاً أن يوظف ما اكتسبه من لغات في دراسته، فهو لا يعاني في مادة اللغة الإنجليزية على الإطلاق، أما عن مكسبه المادي من عمله في السياحة فيجمع مبلغاً يتراوح بين 10-25 ديناراً في اليوم.
وتمكن محمد (16) عاماً بحكم عمله السياحي الذي فضله على الدراسة، اتقان خمس لغات هي؛ الإنجليزية والإيطالية والإسبانية، بالإضافة إلى اللغتين الفرنسية والألمانية، وتأتي معرفته بهذه اللغات نتيجة لتعامله اليومي مع السياح من مختلف الجنسيات، حيث فضل ترك الدراسة في وقت مبكر والتحق ببقية رفاقه للعمل في مجال بيع التحف الشرقية والحجارة الملونة والصور.
ولم ينكر محمد أن عمله تسبب في حرمانه من إكمال دراسته، إلا أنه سعيد في الوقت ذاته لأنه استطاع التحدث بلغات العالم الأول والانفتاح على ثقافاته.
ويعلل محمد سبب تركه للمدرسة بعدم حبه للدراسة، ولأن «عمله الحالي يمنحه المال والسعادة» بحسب رأيه.
وتعد نسبة التسرب من المدارس في مثل هذه المناطق من النسب العالية، إذ تبلغ أكثر من 50% ، والذي يعزوه تربويون إلى «صعوبة الحياة» وغياب «الثقافة التعليمية»، فيما تبذل جهود في سبيل إعادة المتسربين إلى المدارس لإكمال تعليمهم.
ورغم السعادة التي تبدو على وجوه هؤلاء الأطفال، إلا أن بعض الأهالي عبروا عن عدم رضاهم، لأن كل ما حققه أبناؤهم جاء على حساب الدراسة والمستقبل، كما يقول عبدالله أب لثلاثة أطفال يعملون في السياحة. مشيراً إلى أن أبناءه تركوا مدارسهم منذ وقت مبكر دون علمه وهو يلقي اللوم على نفسه أولاً والجهات المسؤولة لضعف رقابتها وعدم متابعتها لهم.
معتمد الحلالمة -
المفضلات