دعاها للجلوس بجانبه ، ثم سادت فترة من الصمت القلق ، كانت الإضاءة خافته فتشاغل بإشعال بعض الشموع على الطاولة وهو يفكر ماذا سيقول لها .
لم يكن يتوقع أن يراها مرة أخرى.. فقد انقطعت علاقته بها منذ فترة طويلة.. وعندما اتصلت عليه في ذلك المساء وأبدت رغبتها في رؤيته.. اتفقا على اللقاء في نفس المكان الذي اعتادا أن يمضيا فيه أجمل الأوقات.
مشاعر الشوق التي احتفظ بها لمدة طويلة تلاشت بصورة غريبة ، عندما وضعت هاتفها النقال على الطاولة ، نظر إلى يدها ، فلاحظ الخاتم الألماسي الذي أهداه لها في عيد ميلادها الماضي .كانت جميلة – كالعادة – وكان شعرها في أروع فوضى ... في الأحوال العادية كان من الممكن أن يسرق منها قبلة ، أو أن يحتضنها بذراعيه.
كسرت حاجز الصمت بقولها :
" اشتقت لك "
جاء صوتها حنوناً دافئاً ، لكنه لم يلامس مشاعره كما كان يفعل في السابق . أجاب ببرود :
" أنا أيضاً ، كيف كنت تقضين أوقاتك ؟ "
أخذت نفساً عميقاً ثم قالت :
" ما زلت أحتفظ بما كتبت لي ، كنت كلما أرهقني فراقك ، توسدت تلك السطور - ثم قالت وهي تطلق تنهيدة - كم كانت تغمرني بالحنان . صدقني رغم ذلك البعد ، كنت ازداد بك عشقاً ، لكني في الوقت نفسه ، كنت أتساءل ، هل تستحق كل هذا الحب ؟ كنت أخشى أن تكون مثل غيرك من ذوي الأقنعة ... سامحني على صراحتي ما قلته لك في المرة الأخيرة كان طيشاً ... "
لاحظ ارتباكها وترددها فقال :
" تستطيعين أن تختبري مشاعرك وأنت بعيده عني ، دون أن تجرحيني بهذه الكلمات "
قاطعته قائلة :
" كيف تطلب مني أن أختبر مشاعري في البعاد عنك ، و أنت خالقها ومالكها... مشاعري عنيدة ، لا تخضع إلا لك أنت ... "
" إذن أنت نادمة "
اقتربت منه اكثر ونظرت مباشرةً في عينيه ، أحس بأنفاسها تلامس وجهه :
"نعم ..نادمه على كل السنين التي ضاعت من عمري قبل أن أعرفك ، وعلى كل الأيام التي لم تكن فيها بقربي - لاحظت ابتسامته فأكملت - لو تعرف كم أعشق انهزامي بين ذراعيك ، أنا الآن ضائعة بين ابتسامتك وحزني ... دعني أحبك عاماً واحداً فقط .. كما أتمنى .. حتى لا يضيع عمري سدى. "
داعبت كلماتها أعماقه الضامئة.. لكنه لم يستطع أن يتخلص من ذلك الشعور المحايد فأجابها بعد تردد:
" لا أعرف ماذا أقول لكِ "
" لا تقل شيئاً فأنا لا أريد سوى أن استشعر أناملك تتحسس خصلات شعري ، حين يجتاحني التعب من صراع الحياة الوحشي ، ولا أطمع في شيء سوى أن تقتلعني همساتك الدافئة من عذابي الأبدي وتطير بي إلى السحاب الذي لا تسكنه الطيور الجارحة "
أحس بالصدق في كلامها فاجتاحته رغبة عارمة في أن يضمها إلى صدره لكنه كان صادقاً مع نفسه أكثر حين قرر أن يصارحها بحقيقة مشاعره مهما كلفه الأمر فقال بنبرة حازمة :
" لقد تأخرتِ كثيراً ، لا أنكر أنني كنت أتمنى رؤيتك مرة أخرى ، فما زال لك مكانه خاصة في قلبي ، لكن الحب الذي كان بيننا تحول بعد الفراق إلى زجاج ثم انكسر مع مرور الأيام إلى قطع صغيرة ، فلا تحاولي أن تجمعيه بيديك ، فقد تجرحين نفسك وأنت لا تشعرين "
أشاحت بوجهها عنه و لم تحاول أن تكتشف الأسباب ، تصورت أن هنالك امرأة أخرى في حياته ، بعد لحظات من الصمتٌ المرير وبينما هو ينظر إلى الأرض لمحها وهي تقف ثم سمع خطوات أقدامها وهي تبتعد . رفع نظره وأخذ يحدق في الباب الذي أغلقته خلفها ..
المفضلات