[COLOR="rgb(255, 0, 255)"]الهواء في الرصيفة دخانا ورمالا ومواد مشعة بفعل تلال الفوسفات
تحقيق - طارق الحميدي - سماء ملبدة بالغيوم السوداء وصباح يلفه ضباب برائحة الأدخنة والكربون والعوادم وجبال عالية ليست أوتادا للأرض بل أكوام عملاقة خلفها مصنع الفوسفات التي يسميها السكان المحليون «تلال الفوسفات».
يختلف الصباح في مدينة الرصيفة عنه في أي مكان آخر حيث تجمعت المصانع لتشكل بؤرة بيئية ساخنة في الوقت الذي يوصف فيه مناخها بأنه «جاف ملوث صيفا مشع مغبر شتاء».
وخلفت عمليات التنقيب عن الفوسفات التي بدأت مع اكتشاف هذا المعدن في ثلاثينيات القرن الماضي حفر عملاقة في منطقة الرصيفة لم يتم طمرها للآن مما رتب على هذه الحفر الكبيرة تلالا عالية من الرمال التي تم استخراج مادة الفوسفات منها لتبقى على جوانب الطرق تبث من رمالها الدقيقة المشبعة بالمعادن ومخلفات الفوسفات في الهواء مع كل هبة نسيم.
كتب على أهل لواء الرصيفة في محافظة الزرقاء أن يستنشقوا غازات وأدخنة عادمة تخرج من فوهات أعمدة المصانع المتناثرة التي ملأت المكان مع كل شهيق إلا أن مشكلة مصنع الفوسفات تعتبر من أبرز المشاكل البيئية في المنطقة خصوصا من خلال التلال الترابية العملاقه التي خلفتها عمليات التنقيب عن الفوسفات والتي تمتلىء بالمواد المشعة الضارة والتي لا تستطيع عملية استخراج الفوسفات منها استخراجها بالكامل والتي تؤثر على صحة الناس القاطنين بالقرب منها.
وعلى الرغم من انتهاء أعمال الشركة قبل ما يقارب الـ(20) عاما إلا أن مخلفات عمليات التنقيب لم يتم استصلاحها لتبقى شاهده على مدى التلوث البيئي الذي عانت منه المنطقة طوال هذا الوقت والتي دفع السكان المحليون ثمنها طويلا ومازالوا.
الرصيفة التي أتعبها التلوث فمن الهواء المخلوط بالغبار والأتربة الناتج عن تراكم أكوام الفوسفات جنوب المنطقة ووجود الكسارات و المقالع ومناشير الحجر في شمالها ومن انتشار الحشرات والقوارض والكلاب الضالة والروائح الكريهة الناتجة عن مصنع الخميره خصوصا ضمن المناطق القريبة من المصنع تكمن المشاكل التي لا تنتهي.
وتشير أرقام غرفة صناعة الزرقاء إلى انتشار أكثر من (400) مصنع في محافظة الزرقاء، جزء كبير منها في منطقة الرصيفة.
حين تتحول الخيرات إلى وبال
حامد مصباح (71 عاما) أحد الأشخاص الذين يقطنون الحي الجنوبي في منطقة الرصيفة قال أن الشركة حولت المنطقة من مقصد يؤمه الناس للراحة والاستجمام بفضل خصوبة التربة والأرض التي كانت تغص بالغطاء النباتي إلى صحراء ومنطقة صناعية لا يوجد فيها إلا الغبار والشاحنات والسيارات الكبيرة.
وقال مصباح بينما كان يجلس وحيدا على عتبة منزله القديم أن المنطقة كانت جميلة وهواءها عليلا ومنعشا إلا أنها لم تعد كذلك ساردا المراحل التي تلاشى فيها الغطاء النباتي رويدا رويدا وكيف أنه كان يراها بعينيه كل عام.
وحولت شركة الفوسفات منذ أن دخلت إلى الرصيفة عام 1934 وحتى انتهت من أعمال التنقيب عام (1986) المنطقة من زراعية خضراء إلى منطقة صناعية شكلت عامل جذب للمصانع والمعامل مما غير من الشكل الجغرافي للمنطقة.
و يصف انس صباريني شاب يسكن في حي الحسين في الجبل الجنوبي في منطقة الرصيفة ومنزله مجاور لتلال الفوسفات الوضع في الحي الذي يقطن فيه «بالمأساوي» حيث يؤكد أن سكان المنطقة يعانون في الصيف من الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي.
ويكمل: «توفي عمي في عام (1996) وكان يعمل في المصنع لفترة طويلة»، مبينا أنه «عانى قبل أن يتوفى من السعال والأمراض في الجهاز التنفسي لفترة تزيد عن الـ(20) عاما وأنه توفي ولم يكن شفي من هذه الأمراض بعد».
ويقول الصباريني أن عمه ليس الوحيد وأنه يعرف الكثير ممن عملوا في وقت سابق في المصنع ولفترة طويلة مشيرا إلى أن جزءا كبيرا منهم يعانون الآن من أمراض ومشاكل في الجهاز التنفسي إلا أنه لا توجد أي إحصائية أو دراسة للوقوف على أحوالهم.
ورصدت «الرأي» أحد هذه التلال المرتفعة الذي لا يبعد سوى أمتار عن مجموعة من البيوت الملاصقة لها. وقال ماهر أبو لبه الذي يقطن في أحد المنازل أنه يعاني من حصى بالكلى بسبب اختلاط المياه بالاتربه في الخزانات مما يجعلهم يشربون الأتربة.
وأكمل أبو لبه، الذي يعمل سائقا، أنه توقف عن شرب مياه الحنفية منذ خمس سنوات هو وأولاده بعد أن نصحه من الطبيب بضرورة التوقف عن شربها حتى لا يتعرض لمزيد من المخاطر.
وأشار أبو لبه أن أبناءه يعانون أيضا جراء شرب المياه وأن أولاده الأربعة يعانون من تحسسات وأمراض في الجهاز التنفسي نتيجة الأتربة.
وأيده ابن عمه الذي يسكن ذات الحي، ويقول أن لديه ولدان يعانيان من مرض الرئة وأن أبناء معظم أصدقائه أيضا مصابون بهذه الأمراض في الوقت الذي قال: «آن الأوان لكي نتخلص من هذه الجبال التي سممت حياتنا».
وقال: «الربو ينتشر في حينا بشكل كبير والجميع هنا مصابون بالتحسسات أو الربو أو الأمراض المختلفة في الجهاز التنفسي».
تلال الفوسفات
من جهته قال مدير بلدية الرصيفة الدكتور عصام الغزاوي أن خامات الفوسفات الموجودة في منطقة الرصيفة من النوعية غير الممتازة وأن نسبتها تصل لغاية 68-69% بينما تصل الخامات في الجنوب إلى 73% وهي نوعية أفضل وأجود، مبينا أن هناك كميات كبيرة ما تزال مخزنة في الموقع تعود لها الشركة من فترة لأخرى لتحميلها وخلطها مع خامات اسمنت الجنوب.
وقال الغزاوي أن العمل في مناجم الرصيفة كان يسير بطريقة قديمة وتقليدية حيث يتم طحن الفوسفات ومن ثم غسله وتحميصه وينتج عن هذه العملية كميات غبار كثيفه التي تبقى عالقة في الجبال وأن هذه الذرات الناعمه جدا تنتقل مع الرياح خاصة أن الرياح في المنطقة في أكثر أيام السنة تكون (جنوبية غربية) وتنقل معها هذه الأتربة التي تكون محملة بالفلزات والمواد المشبعة المهيجة للعين والجهاز التنفسي.
وأشار أن الخطورة في دقائق هذه الأتربة التي يقل حجمها عن (5) ميكرون والتي لا توقفها أجهزة المناعة في الجسم كما أنها تذوب في الرئة التي تؤدي إلى التترب الرئوي.
وبين أن من أهم المعيقات لاستصلاح المناطق أن الشركة تقول أن الأراضي ما تزال تحتوي على الفوسفات وبالتالي ترفض المشاركة في استصلاحها على الرغم من أن امتياز استخراج الفوسفات انتهى من معظم هذه المناطق مطالبا الحكومة أن تسجل الأراضي التي انتهى الامتياز بها باسم البلدية من أجل إقامة مناطق حرفية عليها واستغلالها وتحسين واقع الحال فيها.
وعن المشاكل الجانبية لتلال الفوسفات قال الغزاوي أن مشكلة الأنفاق لا تقل أهمية عن المشاكل البيئية الأخرى وأشار أن استخراج الفوسفات في البداية كان يتم عن طريق حفر وتفجير الجبال ما أدى إلى نشوء أنفاق داخل الجبال يصل طول بعضها إلى كيلومترات وأن بعض هذه الجبال مغلقه إلا أن هناك مواطنين اعتدوا على الأراضي وقاموا بالبناء بجانبها وفوقها ما شكل خطورة كبيرة على حياتهم.
وأضاف الغزاوي أن هذه الأنفاق صارت تشكل مكرهة صحية للسكان المجاورين خاصة وبيئة خصبة لتكاثر الكلاب والحيوانات الضالة والأفاعي وانتشارها.
وبين أن مصنع الفوسفات دمر الغطاء النباتي في المنطقة إلا أنه أشار أن الدمار والكارثة الحقيقيين بدأا في السبعينيات من القرن الماضي مع بداية استخدام الطرق الحديثة لاستخراج الفوسفات وعند بداية إنتاج السوبر فوسفات.
وأشار إلى أن حامض الفسفوريك الذي يسبب تعب الأعصاب، الفتور الجسدي، اضطرابات عقلية، فقر الدم، حموضة الدم، تلف كلوي، الكساح، التغير الملحوظ في شكل العظام، مشاكل الإخصاب، الكزاز، اضطراب النمو عند الأطفال، قضى على الغطاء النباتي في منطقة الرصيفة وحولها إلى منطقة غير صالحة للزراعة.
وبين الغزاوي أن الضرر في هذه الأكوام يزداد بسبب ذرات الغبار المتطايرة منه والتي تدخل إلى الجهاز التنفسي للإنسان مما سبب الكثير من الأمراض مثل التترب والحساسية والربو والاحمرار والمشاكل في الجهاز التنفسي.
معظم العاملين في المناجم أصابهم التترب قبل أن يتوفوا
ومن جهته قال أخصائي الأمراض الباطنية الدكتور محمد عليان مثقال الطبيب الذي توجد عيادته في منطقة الرصيفة منذ عام (1991) وحتى اليوم أن معظم الذين كانوا يعملون في المناجم ويلامسون التراب بشكل مباشر أصيبوا بالتترب الرئوي.
وبين مثقال أن معظم مرضاه ممن كانوا يعانون من تترب رئوي توفوا وأنهم كانوا أصلا كبارا في السن، مشيرا إلى أن مرض التترب كان يصيب من تعاملوا مع مادة الفوسفات بشكل مباشر مثل عمال المحمص أو العمال الذين كانوا ينقلوا المادة بشكل مباشر.
إلا أن مثقال الذي سبق له أن عمل في الكثير من المدن والمحافظات الأخرى مثل عمان والزرقاء، بين أن نسبة المصابين في لواء الرصيفة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو وتهيج القصبات الهوائية والتحسس الذي تسببه الملوثات في الجو خاصة ملوثات مخلفات الفوسفات أكثر بأضعاف من تلك النسبة في المناطق الأخرى.
وكان لمناجم الفوسفات في الرصيفة أثر سلبي في البيئة وذلك بسبب الغبار المتطاير من المناجم وكثرة المخلفات التي كانت تصرفها المياه إلى سيل الزرقاء. وتبين أن بعض مكونات غبار الفوسفات كانت من النوع الصلب الذي لا يذوب في الماء، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض العيون في منطقة الرصيفة لمسافة تراوحت بين (3-5.3 كم) حول مناجم الفوسفات.
ويقول مدير جمعية الأرض والإنسان زياد العلاونة أنه من الأولى أن يتم تأهيل المنطقة بعد أن تم أخذ خيراتها مشيرا إلى أن الالتزام الأخلاقي حتى ولو لم يدرج في العقد يوجب على المصنع بأن يستصلح المنطقة بعد أن استفاد منها.
ويؤشر إلى أن المضار البيئية والاجتماعية وحتى الاقتصادية للفوسفات لا تقتصر على هذه التلال حيث هيأت لمكاره صحية جديدة مثل مكبات النفايات وإنشاء بعض المصانع مشيرا إلى أن فوسفات الرصيفه كان وبالا على المنطقة وأهلها.
وبين العلاونة أن استمرار وجود هذه التلال يلحق الأذى الاقتصادي بالمنطقة من حيث أنه يمنع استغلال هذه الأراضي ويبقيها مجمدة تحمل التلال الترابية على ظهرها وتجعلها جرداء دون فائدة.
نسب عالية من اليورانيوم
ينبه أستاذ الهندسة الكيميائية في الجامعة الأردنية الدكتور علي مطر بني هاني إلى أن نسبة تركيز مادة الفوسفات في منطقة الرصيفة من أعلى النسب في العالم. كما يشير إلى أن تركيز اليورانيوم في فوسفات الرصيفة أعلى من المناطق الأخرى بكثير، حيث يبلغ تركيزها في مناطق الرصيفة 180 جزء من المليون بينما يصل تركيز اليورانيوم في الشيدية إلى 70 جزءا بالمليون.
ويلفت بني هاني أنه عند استخراج الفوسفات الخام يبقى حوالي 60% من المواد المشعة في مخلفات الفوسفات مع التراب والمخلفات، مشيرا إلى أن هذه المخلفات والمواد المشعة إما أن تنتقل مع مرور الوقت مع الهواء أو أنها تترسب إلى باطن الأرض بفعل عوامل الطقس.
وأضاف بني هاني أن نسبة تركيز الثوريوم واليورانيوم والرادون تزيد بـ (5) أضعاف في مناطق وجود مخلفات الفوسفات عن مناطق أخرى لا توجد فيها هذه المواد.
ونبه بني هاني إلى أن مادة الكادميوم وهي من المعادن الثقيلة التي قد تترسب إلى باطن الأرض بفعل مياه الأمطار، قد يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية، مؤكدا أن هذا المعدن يتسبب بالسرطان.
وبين أن التعرض للرادون أو للمواد المشعة الأخرى الموجودة في الفوسفات بجرعات خفيفة قد يؤدي إلى حدوث طفرات في الجسم تسبب حدوث السرطان أما التعرض لها بجرعات كبيرة فأنه يسبب الوفاة.
وبين أن هناك أكثر من (17) مادة مشعه ونظائرها تدخل في تركيب الفوسفات ولفت إلى أن نظرية «أن تأثيرات هذه المعادن أو المواد المشعة تتلاشى مع الزمن» هي غير صحيحة لأن اليورانيوم مثلا عمره (4) آلاف عام بينما يبلغ العمر النصفي للرادون (4) أيام وبعدها يتحلل وينتج مواد مشعه أخرى مثل البولونيوم والثوريوم التي لا تقل خطورة عن الرادون.
وتكشف أرقام بلدية الرصيفة، التي قامت بقياس نسبة تلوث الهواء، وجود تباين في معدلات نسبة تركيز الغبار من منطقة لأخرى ومن وقت لآخر فيما بينت هذه الدراسة وجود منطقتين يزيد معدل تركيز الغبار فيهما عن 30 ميكروغرام وهي الجهة الجنوبية الغربية للمدينة والثانية هي الجهة الشمالية الشرقية.
وتبين نتائج القياس أيضا أن نسبة تركيز الغبار تزداد في الصباح وتنحسر في ساعات الظهيرة وتعود للزيادة الساعة الخامسة مساء كما أن عوامل الطقس مثل الرياح والأمطار تلعب دورا كبيرا في زيادة نسبة الملوثات والغبار في الجو.
كما أن الدراسة بينت أن الذرات التي يشكل حجمها أقل من 5 ميكرون تشكل خطرا على البشر بسبب صغر حجمها ودخولها إلى الرئة مباشرة.
وتشير الدراسة إلى أن نسبة هذه الذرات تشكل 11.1% من وزن عينات الهواء التي جرى فحصها في المدينة.
ومن جانبه قال مدير البيئة في محافظة الزرقاء عبد المجيد خابور أن الوزارة تتبنى معالجة وحل كافة المشاكل البيئية وخاصة تلال الفوسفات وأنها قامت باستقطاب خبير دولي لدراسة مشكلة تلال الفوسفات.
وبين خابور أن الوزارة بصدد إطلاق مشروع لتأهيل المنطقة مع كافة الجهات المعنية مثل أمانة عمان وبلدية الرصيفة والشركة بالاضافة للجهات المانحة مثل الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي مبينا أن الشركة متعاونة مع الوزارة وستقوم بتأهيل المنطقة وأنها ستطرح عطاءا في الوقت القريب من أجل وضع المخططات الهندسية للمشروع إلا أنه قال أن طرح العطاء سيتم بعد التشاور والتدارس فيما بين الشركاء.
ورفضت شركة الفوسفات الحديث عن التلال وقالت أنها بررت في السابق للصحافة بما فيه الكفاية ولا يوجد لديها أي جديد فيما يتعلق بالموضوع.
[/COLOR]
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الدراوشه
المفضلات