الصلاة الصلاة عباد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى والقائمين بالقسط من الناس أما بعد:
فهذه نصوص متعلقة بأعظم رابط بين السماء والأرض، بين الله وعبده:
وهي دعامة كل الشرائع السماوية, فلم يخلو دين منها, ولم تنسخ فيما نُسخ منها, إذ لا خير في دين لا صلاة فيه, لذا نجدها عند جميع الرسل.
فكان من دعاء إبراهيم – عليه السلام -: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ }[إبراهيم:40].
وكان من شأن إسماعيل – عليه السلام – أنه: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }[مريم:55].
وخاطب الله سبحانه موسى – عليه السلام -: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي }[طه:14].
وطلبت الملائكة من مريم أن تصلي: { وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }[آل عمران:42-43].
وذكر عيسى – عليه السلام – نعم ربه عليه: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }[مريم:31].
كما تضمن ميثاق بني إسرائيل الصلاة قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }[البقرة:83].
وهي أمر الله تعالى نزل بذلك قوله : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )
وقال أيضاً: ( قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ ).
والصلاة مقياس الأعمال, فإن صلحت صلح سائر عمله, وإن فسدت فسد سائر عمله ففي الحديث: " أول ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله " [المقدسي: الأحاديث المختارة:7/145
وقال:حسن لشواهده]
قال رسول الله -r-: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والحج, وصوم رمضان" البخاري. -r-: " رأس الأمر الإسلام, وعموده الصلاة, وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ".
وقال-r-: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع, آمركم بالإيمان بالله. وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وتعطوا من المغنم الخمس ... " [ البخاري ]
وعن عائشة أن رسول الله -r- قال: " ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله عز وجل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له, فأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم, والزكاة" رواه أحمد.
وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق: ( إن أهم أموركم عندي الصلاة, فمن حفظها فقد حفظ دينه, ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع, ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ).
قال البيهقي –رحمه الله - : ( وليس في العبادات – بعد الإيمان الرافع للكفر – عبادة سماها الله – عز وجل – إيماناً, وسمّى رسول الله-r- تركها كفراً إلا الصلاة "
وهي أس العبادات الجامعة لجميع أجزائها, قال ابن القيم – رحمه الله -: ( لما كانت الصلاة مشتملة على القراءة, والذكر, والدعاء, وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه, كانت أفضل من كل من القراءة, والذكر, والدعاء بمفرده؛ لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء ) [الوابل الصيب:166].
لقد أثرت الصلاة على كثير من الناس من غير المسلمين, ودفعت بعضهم إلى الانضمام لقافلة الهداية:
يقول توماس أرنولد: ( إن دين المسلم يتمثل دائماً في مخيلته, وفي الصلوات اليومية يتجلى هذا الدين في طريقة نسكية خاشعة مؤثرة لا تستطيع أن تترك العابد والمشاهد كليهما غير متأثرين ).
ويقول رينان الفيلسوف الفرنسي الشهير: ( ما دخلت مسجداً قط, دون أن تهزني عاطفة حارة, أو بعبارة أخرى: دون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلماً )
وكان عميد اليهود في مصر المحامي زكي عريبي يتحرق شوقاً إلى الإسلام كلما رأى مسجداًً, أو وقعت عيناه على رجل يصلي لله في خشوع, ويبتهل إليه في خضوع, وكان هناك سؤال يلح عليه وهو: لماذا لا يعتنق الإسلام ؟
وكان هذا الخاطر يعلو صوته في داخله, ويهزه من أعماقه, كلما رأى بين الحقول رجلاً متواضعاً من زارعي الأرض يقف بين يدي الله مؤدياً صلاته, فكان يود لو كان يصلي مثل صلاته, ويناجي مثل مناجاته, وتم له ذلك حين أعلن إسلامه وعمره خمس وستون عاماً.
وأختم بقول الحسن البصري – رحمه الله -: ( يا ابن آدم ! أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك ).
فالصلاة الصلاة عباد الله.
المفضلات