هل أنت جذاب للبعوض
أكثر ما يزيل إعياء النهار الحار هو تمضية الأمسية أو السهرة في حديقة المنزل بصحبة الأهل والأصدقاء، لكن ما يعكر صفو الأمسية اضطرار البعض للمكافحة لتجنب لسعات البعوض والحشرات الطائرة الأخرى ، بينما يبدو البعض الآخر بعيداً جداً عن كل ذلك وقد لا يشعر بوجودها ، وفي غمرة الكفاح والصفعات الذاتية على الأيدي والأرجل قد يتساءل الضحية لماذا هو هدف لهجمات البعوض دون الآخرين من الموجودين معه !!!.
يمازحه الآخرون بأنه ربما كان دمه أشهى في نظر البعوضة .. والحقيقة أن هذه الحال تماماً فالبعوضة تمارس علينا نحن البشر عملية انتقاء واصطفاء وتختار الأشهى بيننا وبالنسبة إليها هناك من الناس ما هو جذاب أكثر من غيره بعشر مرات ، ولكن للتوضيح فإن البعوضة لا تمتص الدم الإنساني بقصد الاغتذاء عليه ، بل هي تحتاجه لإنضاج البيوض لديها لذلك فإن الذكور من البعوض لا تلسع البشر وتفعل ذلك الإناث منها فقط .
من تُفضِّل البعوضة:
يقول الدكتور جوي كونلون المستشار التقني للجمعية الأمريكية لضبط البعوض أنه بينما تستمر مطاردة البعوض للبشر هناك الكثير جداً من الأبحاث التي تُجرى الآن لتحديد المركبات الكيميائية والروائح التي تجذب البعوض للبشر ولا يزال أمام الباحثون تحديد الصفات الدقيقة التي تجعل أجسام بعض الناس مثالية في نظر البعوض ، ومن أجل ذلك هناك ما يزيد عن 400 مركب كيميائي تحتاج الفحص الدقيق وهذا بحد ذاته يشكل حجم عمل مخبر كبير قد يتطلب سنوات أخرى من الدراسة .
حتى الآن يعرف العلماء جيداً العوامل الوراثية المسؤولة عن 85% من قابلية الإنسان للتعرض لهجمات البعوض ، وهم قد حددوا بعض المركبات الكيميائية للجسم البشري والتي إذا وجدت على سطح الجلد بشكل زائد جعلت البعوض يحتشد ويحوم حول الإنسان بشكل أقرب .
من تلك المركبات مثلاً: الكولسترول والستيروئيدات (الكورتيزومات) التي يجذب وجودها على سطح الجلد البعوص ، لكن الدكتور جيري بانكر الأستاذ في جامعة فلوريدا يقول موضحاً أن ذلك لا يعني بالضرورة أن البعوض يهاجم الناس ذوي المستوى العالي من الكولسترول ، بل ربما ببساطة يتعلق الأمر بنواتج التعامل مع الكولسترول وبالمركبات الوسيطة التي تنتج عن استقلابه والتي تبقى على سطح الجلد .
يستهدف البعوض أيضاً الناس الذين ينتجون كميات أكبر من بعض أنواع الحموض مثل حمض البول فهذه المركبات يمكن أن تثير حاسة الشم لدى البعوضة وتجعلها تحط على السطوح الغنية بهذه الحموض ، لكن الحقيقة أن عملية الانجذاب تتم من على بعد أكثر فيمكن للبعوضة أن تتجه نحو هدفها من على بعد 50 كم تقريباً حيث تتجه نحو مصدر ثاني أوكسيد الكربون أي أنها تتجه نحو المدن وتجمع البشر ، وربما يفسر هذا ميل البعوض للدغ أصحاب الأجسام الضخمة والنساء الحوامل أكثر من غيرهم نظراً لكون أنفاسهم محملة بثاني أوكسيد الكربون أكثر ، ومما يجذب البعوض أيضاً الحرارة وغنى الأنفاس بثاني أوكسيد الكربون وتراكم مفرزات الغدد العرقية الغنية بحمض اللبن على سطح الجلد .
أين يكمن البعوض :
حتى ولو لم يكن الإنسان من النوع الجاذب للبعوض فإن وجوده في منطقة كمون البعوض سوف يعرضه لهجومها ، وأسوأ تجمعات البعوض تكون على الشواطئ علماً بأن البعد عن الشاطئ بضعة كيلومترات لا يقي من هجمات البعوض فهي يمكن أن تقطع مسافة 60 – 50 كم إلى العمق بعيداً عن الشاطئ من أجل وجبة شهية .
إن أي مصدر للماء يمكن أ ن يشكل الأرضية الملائمة لتكاثر البعوض ، خاصة إذا كانت المياه راكدة ، لذلك قد يكون من المفيد لتجنب تكاثر البعوض في البرك والأحواض المائية حول المنزل وفي الحدائق أن تزَّود بمضخة تؤمن تحريك المياه فيها وتمنع ركودتها .
إن الارتفاع عن سطح البحر لا يقلق البعوض فهناك من أنواعه ما يستطيع العيش في جبال هيمالايا لكن لحسن الحظ فإن الأنواع الشائعة منه تفقد فعاليتها ولا تستطيع اللسع في المرتفعات التي تنخفض فيها الحرارة عن 17ْ م. هذا لا يعني أن سكان آلاسكا مثلاً لا يشكون لسع البعوض لكنهم يعتبرون في مأمن نسبياً حيث ينشط البعوض هناك لفترة قصيرة من السنة تمتد لأسابيع ثلاثة أو أربعة بين تموز وآب .
على العموم من خلال الأحافير التاريخية فإن البعوض موجود على الأرض منذ ما يقارب 170 مليون سنة ، وهناك منه ما يزيد عن 175 نوعاً ، ولا يوجد ما يشير أنها سوف تنقرض من على وجه الأرض لكن لدينا ما يمكن أن نخفف به معاناتنا .
طاردات البعوض الكيميائية :
يوجد في الأسواق العديد من المركبات الكيميائية الطاردة للبعوض وهي تملاً الرفوف في الصيدليات البشرية والزراعية وهي مختلفة التركيب ومشتقة من مجموعات كيميائية مختلفة لكن يبقى الـ DEET ( N. N dirthylmetatoluamide ) أفضلها وأكثرها فعالية وفقاً للعديد من الدراسات ، ويؤمن تركيز 25% منه حماية لمدة 5 ساعات تقريباً (معظم طاردات الحشرات تحوي تركيز 30 – 10 % من الـ DEET ) ، وقد سمحت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال باستعماله بتركيز 10% لدى الأطفال فوق الشهرين من العمر .
سلامة طاردات الحشرات الكيميائية :
لقد استعمل الـ DEET منذ ما يزيد عن 40 عاماً وهو ذو سجل أمان واضح ، ولم تسجل الحوادث إلا عند الاستعمال المتكرر بجرعات عالية، وقد بينت وكالة حماية البيئة الأمريكية بعد دراستها لسلامة الـ DEET أنه طالما يلتزم المستهلك بتعليمات الاستخدام ويتخذ الاحتياطات المنصوص عليها في النشرة المرفقة مع المنتج أو المسجلة أو المسجلة عليه فإن طاردات الحشرات الحاوية على الـ DEET لا تمثل خطورة صحية , وفي كل الأحوال فإن الوكالة قد نصحت بعد استعمال المستحضر على الجلد المجروح والعينين والفم والأنف وعدم رش الدواء تحت الملابس بل فقط على الأماكن المكشوفة من الجلد السليم مع تجنب وصول رذاذ الدواء إلى الطعام ، وفي حال الرغبة بالتخلص من أثر الدواء فيجب غسل الجلد بالماء والصابون .
وبشأن استخدام مستحضرات الـ DEET لدى الأطفال تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن يتم اختيار التركيز الأدنى للمستحضر بشكل يكفي لوقاية الطفل في الفترة التي سيمضيها خارج المنزل مع عدم استعماله للأطفال تحت الشهرين من العمر وتجنب تكرار تطبيق المستحضر حيث يرفع ذلك من احتمال حدوث التأثيرات السمية للدواء
.
طاردات الحشرات البديلة :
عند الرغبة بتجنب المواد الكيميائية هناك ما هو طبيعي ، فقد تمت تجربة طارد للحشرات من زيت فول الصويا وثبت أنه يؤمن وقاية لمدة ساعة ونصف ، بالإضافة لذلك هناك تأثير مماثل للزيوت الأخرى مثل زيت الأُترُجيه Citronella وزيت خشب الأرز Cedar وروح النعنع Peppermint وزيت إبرة الراعي Geranium .
وربما يؤمن زيت الأدكالبتوس Eucalyptvs حماية لفترة أطول من الزيوت السابقة .
وفي حال عدم الرغبة باستعمال رذاذ الـ DEET وعدم تقبل استعمال الزيوت يمكن الاعتماد على مصائد البعوض سواء الكهربائية الصاعقة أو تلك الحديثة التي تشع مادة جاذبة للبعوض مثل ثاني أوكسيد الكربون في جو من الرطوبة الملائمين بحيث تجذب إناث البعوض .
الأمر يستحق الجهد :
إن تجنب لسعات البعوض أمر يستحق الجهد الذي يبذل وأجله خاصة مع ازدياد الأمراض التي يساهم في نقلها البعوض كالملاريا القديمة وحمى ال------- الغربية الحديثة الانتشار .
بالإضافة للحكة الشديدة وعوارض التحسس التي تحدثها لسعات البعوض والتي قد تصل من الشدة لدى البعض ما يحتاج للعلاج بمضادات التحسس ، وهي في كل الأحوال تحرم الإنسان من الاستمتاع بالأماسي مع الأصدقاء أو تحرمه لذيذ النوم.
2010 © عالم الصحة
رد مع اقتباس
المفضلات