خطبة الجمعة 12/3/2010
عبدالرحمن أبو عوض
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ؛ أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
وقال الله تعالى : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ{1} الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ{2} وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ{3} أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ{4} لِيَوْمٍ عَظِيمٍ{5} يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{6} ، ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما أنه قال : ( لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينة ، كان أهلها أخبث الناس كيلاً ، فنزلت هذه الآية { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } فأحسنوا الكيل بعد ذلك ) .
بالمقابل لما أرسل الله عز وجل شعيباً إلى مدين كما في قوله تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{85} } ، ولكنهم رفضوا وأبوا وردوا عليه برد قبيح فقالوا له : { قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ }هود87 ، سبحان الله ، أهل المدينة – وهم الأنصار – حسنوا من ميزانهم ، وأهل مدين رفضوا وأبوا ؛ بل واستغربوا أن يأتيهم نبي من عند الله ينهاهم عن التطفيف في الميزان ، وذلك خطأ منهم فدين الله عز وجل ليس قاصراً ، حاشا وكلا ، بل دين الله عز وجل دين كامل أكمله الله عز وجل من عنده كما قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } ، وبالتالي فإن البيع والشراء وسائر المعاملات ، بل وكل أمور الحياة لا بد من إرجاعها إلى كتاب الله عز وجل ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك فالإسلام جاء بالضرورات الخمس التي هي الدين والعقل والنفس والنسل والمال ، ولما كان هذا المال واحداً منها ، إذن فإن نصوص الشريعة جاءت تتحدث عن المال ، وتنظم أحكامه ، وتحافظ عليه ، لذلك ، فالسرقة محرمة ، قال تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38 ، والربا محرم ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }البقرة278 ، والاحتكار محرم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحتكر إلا خاطئ " ، بل وحتى السفيه يحجر عليه ، كما قال الله عز وجل : {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }النساء5 ، وقال الله عز وجل : {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة188 ، ولاحظ أخي الكريم – كما سمعته من أحد الدعاة المعروفين حفظه الله ( بالمعنى ) - أن الله عز وجل قال : ولا تأكلوا أموالكم ، ولم يقل أموال غيركم ، ولم يقل أموال الآخرين ، ولم يقل أموال إخوانكم ؛ بل قال أموالكم ، وذلك لأنه مطلوب منك أن تحافظ على مال غيرك ، كما هو مطلوب منك أن تحافظ على مالك ، لذلك فلا عجب أن تأتي الشريعة تتحدث عن المعاملات الشرعية ، ومنها تطفيف الميزان ، وأما قوم شعيب لما رفضوا دعوة نبيهم عليه السلام ، وأصروا على الكفر والعياذ بالله ، وأصروا على عدم إيفاء الكيل والميزان ، أخذهم عذاب الله الأليم ؛ بل جمع الله عز وجل عليهم ثلاثة أنواع من العذاب ، سمعوا الصيحة حتى تقطعت قلوبهم ، قال تعالى : {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }هود94، ورجفت بهم الأرض قال تعالى : {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }الأعراف91، وأنزل الله عز وجل عليهم عذاب يوم الظلة ، قال تعالى : {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }الشعراء189 ،
لذلك أخي الكريم هذه تذكرة وموعظة ، أن لا بخسوا الناس أشياءهم ، وأن اتقوا الله العلي العظيم في بيعكم وشرائكم ، وسائر أحوالكم ، حتى لو كان أمراً قد يستهين به الناس مثل تطفيف الميزان ، كما قال الله عز وجل : { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } النور15
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
المفضلات