مقالات
شكراً لكِ يا شاكيرا
ابنة أخي ولدت ونشأت في كندا وهي الآن طالبة في احدى الجامعات هناك بعد ان عاشت سنوات الطفولة والمراهقة في مدارس كندية تضم طلابا من مختلف الاجناس والديانات والالوان، وكثيرا ما سمعت منها قصصا عن مظاهر التعصب كل لعرقه او دينه وكأن الأمر روتيني في مدارس الدولة الأكثر جذبا للمهاجرين في العالم وكل يُغنيّ على ليلاه الى حين الوصول الى وعي موحد بثقافة الوطن الجديد الجامع لكل هذه الثقافات على اختلافاتها الحادة في كثير من الاحيان، ففي بدايات الانتماء للعالم الجديد تكون الفوارق واضحة وشيئا فشيئا تغلب الثقافة الجديدة كل الثقافات الاخرى وتتحول الانتماءات الجزئية الى مواطنة ويبدأ كل مهاجر رحلة البحث عما يجمعه بالآخرين ممن سبقوه بالوصول فيجد الهوية وجملة مصالح من بينها الحرية المشتركة.
غير ان الفوارق مع ذلك تبقى ولكنها تضمر وتختفي خلف القوانين والانظمة الموحدة للجميع, وما يبقى منها بعض العادات والقيم العائلية خاصة ما يتعلّق بقوانين الزواج وبعض الممارسات التي تدخل في صميم الأديان وهذه بالذات تضبط العلاقات الاسرية الى حد كبير ما بين منفلتة ومحافظة وفي بعض الحالات معتدلة، ومن الطبيعي في هذه الحالة ان عادات الأكل تخضع لهذه القواعد، فما يجمع المسلمين واليهود أكثر مما يجمع المسيحيين والمسلمين مثلا حين يتعلق الامر بسندويشات تحتوي على لحم الخنزير, اما حين يتعلق الامر بالسياسة فكل القوميات بما في ذلك الوثنيون او عبدة التماسيح من قلب غابات الامازون اقرب للمسلمين من اليهود, غير ان التمييز هناك لا يتجاوز حدودا يضعها القانون للجميع فالكل سواسية لا فرق بين الاسود والابيض الا بقدر احترامه للدستور.
وذات مرة سئل جوزيف ترودو رئيس وزراء كندا مطلع الستينيات من القرن الماضي عمن هو الكندي الأصيل فأدلى بنظريته الشهيرة التي اصبحت قاعدة للتعايش في تلك البلاد حين قال (لا يوجد في هذه البلاد كندي أصيل وآخر غير أصيل بل عندنا مهاجر اقدم من الآخر), ولأن العرب في كندا من اكثر القوميات تعلقا بقضاياهم الاساسية في اوطانهم وبالأخص القضايا السياسية فهم يعانون مثلنا تماما ويعيشون في حالة بحث دائم عما يرفع من شأنهم كقومية ذات حضارة ضاربة في التاريخ ولها حضورها المؤثر في العالم المعاصر, ولكن الاحباطات كثيرة وتصل المهاجرين العرب في مختلف انحاء العالم عبر وسائل الاعلام، فما دامت الاوطان تعيش حالة من الانكسار الشامل اذن فهم هناك يعانون نفس الاعراض.
ومع مرور الزمن وتراكم الهزائم اصيبوا بعدوى اليأس من امكانية التغيير والنهوض لمطاولة بقية الامم المنتصرة، وعلى الرغم من توفر فرص الهرب والنجاة من الحال العربي المزري عن طريق الانغماس الكلي بالحياة الجديدة، فأن الشباب العربي هناك لا يهرب من مصيره ويقف مجبرا في مقدمة الصفوف في السعي وراء الامجاد الضائعة، وهذه المعاناة سببها الاساسي منافسة صامتة تدور رحاها بين مختلف الأمم في بلدان المهجر ومنها كندا، منافسة حضارية ودينية في المدارس والجامعات بين شباب من اكثر من مئة قومية وعرق ودين، وكل واحد يقدم ما لديه تارة بما يحقق من علم وتارة بما لديه من اشياء رائعة يعرضها في المجتمع.
والمؤسف ان لا يكون لدى شبابنا الكثير مما يدعو للفخر, فعلى الصعيد السياسي نكسة تلو اخرى وكل واحدة مصحوبة بعدد من المآسي الاقتصادية والاجتماعية، فالفقر يلاحق العرب حيثما هاجروا والهرب من الديكتاتوريات والظلم وقمع الحريات كلها اسباب للهجرة من الاوطان الى اي مكان في العالم، فبماذا يدخل الشباب العربي المنافسة الحضارية مع غيرهم ؟ سؤال لم يطرحه احد من قبل ولكن ثمة جواب مفاجئ سمعته من ابنة اخي :شاكيرا، المغنية الكولومبية الجنسية عربية الاصل هي خير سفير للعرب في كل الدنيا، انه جواب صادر من قعر الحالة العربية ويعكس يأسا ما بعد يأس ولكنه يفيض بقدر كبير من الواقعية، هذا ما يعتقده الشباب العربي الذي يخوض الحرب الحضارية وفق معايير الغرب نفسه، وليس في الجواب سطحية كما سيحاول البعض ان يعترض ويعيدنا الى ازمنة عنترة بن شداد والامجاد العربية في الاندلس، فللجواب بقية على صيغة سؤال :هل قرارات القمم العربية أكثر تأثيرا من صورة وصوت شاكيرا على مواقف العالم منا؟!.
جهاد المومني
المفضلات